أزول بريس – بقلم : حفيظة المرابط //
بابا علي فيلم مزعج بحق، يؤشر على نهاية جيل من الفنانين يعيشون على اعادة الانتاج بعد ضمور القريحة وعدم القدرة على الخروج بالخيال من صندوق البدايات . ويمكن ان نسجل على الفيلم عدة ملاحظات:
اولا: انه لا احد من شخصيات الفيلم سلم من عاهة : أقماش، اتمتام ، امياض، امعضور، امخار، ولي اتخزان ( التخزين القهري للمأكولات والامتعة) ابركاك ، الذي يتأذى من سماع كلمة معينة ( لتهال) ، ازوال ( احد اتباع الداغور) ..
لكل شخصية مهما كانت عاهة جسدية او معنوية .. وهذه بقايا فن ” تبقشيشت” التي تصنع الفرجة بالتقليد وتعويج الاصوات والاشتغال الكاريكاتوري على الجسد ، وهو ان كان ادى ادوارا فرجوية في مجاله ( الحلقت) فإن نقله بصيغته الاصلية الى العمل التلفزيوني الاحترافي امر مؤسف .. خاصة اذا كانت كل شخصية في الفيلم مجبرة ان تكون ” بقشيش” ، وهذا ليس استنقاصا من فن تبقشيشت ابدا ، لكن ابراز ان اقحامها بشكل مبالغ فيه في سياق ليس سياقها اضر بها كما اضر بالسياق الجديد الذي اقحمت فيه.
كل لقطة في الفيلم هي مصارعة لعاهة بشرية ، وسبب هذا الامر هو عدم وجود حبكة ولا حدث .. فقط لقطات همها هو ابراز العاهة والاضحاك بها .
ثانيا: الفيلم ككل هو تلفيق للقطات من مصادر مختلفة لا يجمعها جامع : علي بابا، قصص جحا ( نهيق الحمار في المنزل بعد نفي وجوده فيه وسؤال: هل تصدقني ام تصدق الحمار) وبعض القصص الواقعية المشهورة في سوس ( بيع ” الهري واليم” وهو امر مشهور في قضية بوتزكيت)، نكتة الفقيه الذي طلب منه ان يكتب ” اسمكرو” للفئران ونصحة لمن طلب ذلك ان يعطيه الاكل الذي قدمه له، بعض المواعظ الدينية التي تأتي من غير سياق( مشهد الفقيه وهو يعض حول الجار والذي اقحم اقحاما خاصة انه لا يتعلق بأي شخصية من شخصيات الفيلم .. انها موعظة اعطيت للكومبارس دون داع الا استهلاك وقت المسلسل) . وهذا التلفيق الكثير هو ديدن كل افلام الفنان ” حماد نتاما” .
ثالثا: يكاد الفيلم يتحرك في بيئة لم بعد لها وجود .. ويكرر بشكل مؤسف الفخ الذي وقعت فيه الافلام الأمازيغية : اختصار الحياة في الطالب وامغار وبعض الحمقى والمغفلين .. الصراع الدائم بين الفقيه والجماعة .. امغار وسلطته وسطوته .. الصراعات على امور تافهة ( إمكلي نطالب، المرور من حقل…).. وعشق ” أمزلوض” لابنة امغار… وهو مشهد كاريكاتوري للقرية الامازيغية ، هذا فضلا عن كون ذلك النسق الاجتماعي لم يعد له وجود .. فامغار تغير وضعه الاعتباري بشدة، والطالب اصبح ينال اجرا من وزارة الاوقاف ، ومستوى العيش ارتفع .. وهكذا يكون الفيلم خارج نسق معالجة الاشكالات المعاصرة ، فلا فيلم تاريخي يجسد حقيقة نماذج يقضة من تاريخنا ، ولا هو يعالج قضايا تمس شباب اليوم و قرى اليوم ورهانات اليوم .. علما ان هذه المعالجة لا تكون بجعل شخصية في الفيلم تحتج عليه ( تعود حماد نتاما الاحتجاج على الحلوف و ارامان واعرابن على لسان شخصية ما) بل تتجسد في كل تفاصيل العمل الدرامي كحبكة متقنة . وهكذا بما ان الفيلم ليس ماضيا ولا حاضرا ولا مستقبلا فإنه يبدو كالرسوم المتحركة : كائنات مشوهة تتحرك في سيناريو عبارة عن لقطات من تباقشيشت هدفها الاضحاك وانتصار البطل في كل المواقف. علما ان نهاية كل لقطة شكل مشكلا حقيقيا للمخرج .. اذ تحس انها تنتهي بح.يث الشخصية مع نفسها او بالتهديد ويتكرر هذا الامر الى درجة انك تحس ان المونولوج الفارغ ينافس الحوار في مشاهد الفيلم (قلنا مونولوغ فارغ لان للمونولوغ اهمية عظمى حين يستعمل باحترافية ولنا في فيلم الملائكة لا تحلق فوق الدار البيضاء لمحمد العسلي نموذج لمنولوج امرأة امازيغية متخم بالرمزية والشعر و الجمال والعمق).
رابعا: يبدو ان كاتب السيناريو سي ” حماد نتاما” دخل خياله وعقله لصندوق محكم الاغلاق ، كل الافلام التي الفها ( لعب فيها دور البطولة طبعا طبعا) فيها شخص ساذج ابله شديد الذكاء في نفس الوقت يلعب دور البطولة المطلقة وتحوم عليه دوما نفس الشخصيات : امغار وابنته وابركاك اودوار و بوتحانوت ولجمعت ( تتضمن إجبارا أما صعبة المراس وابن أبله) والطالب وتضكالت واحيانا أوداي .. لا يستطيع خياله التحرك خارج هذه المنضومة، والادهى ليس فحسب تكرار هذه الشبكة العلائقية التي لا تمت للواقع والتاريخ بصلة ، بل تكرار اللقطات .. تكاد تحس وانت ترى بابا علي انها لقطات من افلام سابقة لنفس مؤلف السيناريو/ البطل .. ” تدكالت تمياضت” وصراعها الكلامي مع زوج ابنتها وكسرها للأثاث ( علما انها لا تضره هو رغم كل ما تقوله عنه) .. الصراع مع اليهودي وردود فعله عند الادعية ، وتبادل المقالب التي ينتصر فيها دوما المسلم بشكل ساحق ( رغم ان الذاكرة الشعبية متخمة بقصص عكس ذلك)، الام الصعبة المراس وقيادتها لابنها الابله الذي يريد ان يتزوج او يكره الزواج .. ابن الفقير الذي يريد الزواج من ابنة امغار التي شغفت به حبا ..
كل ما سلف لقطات مكرورة .. وتكاد تكون بنفس الكلمات .. ما يدل على فناننا لا يستطيع التخلص من “باراديغم” يوجه دماغه ويعجز عن يرى الحياة الامازيغية الحية الدافقة خارج تلك التصورات المسبقة المغلقة.
اخيرا تقدمنا بهذا النقد فقط لان الفيلم انتج بأموال عمومية، فيحق لنا ان نبدي ملاحظاتنا حوله، ونتساءل عن لجنة القراءة والاختيار داخل قناة الامازيغية ممن تتكون ، كما نتساءل هل فعلا يعوز الابداع الاجيال الجديدة من الشباب الامازيغي كتابة وتمثيلا واخراجا؟ ام ان الابواب اغلقت في وجوههم؟
نشعر بغصة في الحلق ونحن نرى جيلا بعث فن التمثيل الامازيغي من العدم وهو يكرر نفسه بشكل كاريكاتوري ..
فليفتحوا كوة صغيرة للشباب ليبعث فيهم روح الحاضر.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.