في ظل الأجواء المشحونة والتهديدات المتواصلة للرعاة الرحل و اندلاع مواجهات عنيفة بين الفينة والأخرى مع ساكنة سوس، بفعل استمرار الاعتداءات المتكررة للرحل على الساكنة المعزولة بقرى وجبال سوس، وتوغلهم بالمناطق الجبلية والسهلية، إضافة إلى تعنتهم واختيارهم لأساليب العنف والمواجهة مع الساكنة، مما تسبب في سقوط عدد من المصابين خلال الحوادث التي عرفتها تلك المناطق. استدعت تدخل عناصر الدرك الملكي والسلطات لأكثر من مرة، بشكل مباشر لتفريق المواجهات التي كادت أن تؤدي إلى سقوط ضحايا لاقدر الله. و اضطرت معه السلطات المحلية في كثير من الأحيان إلى طلب تعزيزات أمنية مكثفة للحيلولة دون وقوع مجزرة دموية غير محمودة العواقب خاصة مع تشبت الرعاة بخيار العنف والمواجهة.
وأمام هذا الواقع، وجه الناشط الحقوقي والامازيغي، أحمد عصيد، رسالة مفتوحة إلى وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، بخصوص ما وصفه بـ »عدوان الرعي الجائر على سكان مناطق سوس ». وقال عصيد في رسالته “نعلم السيد الوزير أن ما تسمونه “هيبة الدولة” يهمّكم كثيرا، بل يقع ضمن أولوياتكم الأمنية، إلا إذا كان تسلط الرعاة على مناطقنا وممتلكاتنا واعتداءهم على أهالينا وانتهاكهم لأراضينا يدخل عندكم ضمن مظاهر “هيبة الدولة”، في هذه الحالة سنفهم أن فتنة الرعي الجائر، صارت من سياسات الدولة ومخططاتها لكي تظهر لـ”رعاياها الأوفياء” بتلك المناطق المنسية، “هيبتها” وقدرتها الكبيرة على الترويض والضبط.”
وأشار عصيد في رسالته، إلى استنفاذ سكان مناطق سوس ماسة من خلال تنظيماتهم المدنية كل الوسائل، وطرقهم كل الأبواب بما فيها باب السيد رئيس الحكومة، والسيد وزير الفلاحة، وكذا السيد الوالي وعمال المنطقة، دون الحديث عن الاتصال اليومي بالسلطات المحلية في عين المكان، ودون الحديث عن الاتصال مع البرلمان بغرفتيه، ليظل الوضع على حاله، مشيرا بقوله : “كما لو أن دولة المؤسسات انهزمت أمام الفوضى والهمجية وخرق القانون”.
واستنكر عصيد تقاعس السلطات في هذا الملف وعدم القيام بواجب حماية السكان رغم أن الكثير من حالات الاعتداء وقعت أمام أنظار السلطة المحلية، وكانت فيها محاضر وشكايات وتظلمات لا تحصى حسب قوله.
وأضاف المتحدث نفسه “بل وصل الأمر إلى حد دخول الرعاة إلى الدواوير وترويعهم للسكان واعتدائهم بالضرب والجرح على مواطنين مسنين، ومنعهم من معالجة أشجارهم ومزروعاتهم بالأدوية الضرورية خشية أن تتضرر قطعانهم التي جاءت لالتهام الأخضر واليابس.”
واعتبر عصيد المقاربة الأمنية التي تنتهجها العديد من السياسات، والتي يعتقد أنها كفيلة بالحفاظ على الاستقرار، قد اختلت في هذا الموضوع بالذات، حيث انعدم الأمن وصار العنف والتهديد والعصيان قاعدة في سوس، فعصابات الرعاة تقرر وتنفذ دون أن تستحضر شيئا يسمى “الدولة”، إذ لا وجود لهذا المفهوم لدى هؤلاء.
ووجه عصيد انتقادات حادة للمقاربة الأمنية عن ما وقع للسكان، عندما قرروا في ظل اليأس والغضب إعلان انتفاضتهم ضدّ هذا الوضع الخطير، الذي اضطروا معه إلى قطع الطريق الفاصلة بين منطقة إدوسكا وأيت عبد الله، سارعت سيارات الأمن التي تعدّ بالعشرات، والتي ظهرت فجأة، لا لإنقاذ السكان من عصابات الرعاة المنظمة، بل فقط لإجلائهم عن الطريق وإيقاف احتجاجهم، واستغرب عصيد في رسالته باعطاء الأولوية للأعراض الخارجية عوض معالجة الداء نفسه على حد تعبيره. مضيفا “كما تعتنون بمصالح الدولة على حساب مصالح السكان، بينما لا قيمة للدولة إذا ضاعت مصالح الناس وهُدرت كرامتهم، لأن الحاجة إلى الدولة إنما تتمثل في رعاية تلك المصالح والحفاظ عليها ومنع الظلم وإقرار العدل بين الناس”.
وتابع عصيد في رسالته إلى لفتيت، معتبر أن المشكل الذي نطرحه بين أيديكم السيد الوزير لا يتعلق بقضية محلية أو جانبية، لأن المعنيين بها متواجدون في كل مناطق المغرب، بل يتعلق الأمر بقضية على قدر كبير من الخطورة، لأنها تخصّ مصداقية الدولة في أعين أبنائها، وقد لا نكون بحاجة إلى تذكيركم بأنّ تاريخ المغرب علمنا بأن التوازن بين السلطة المركزية والمناطق المترامية إنما يتم عبر شعور أهل تلك المناطق بالأمن والثقة، وهو ما أصبح يهتزّ في أيامنا هذه. وإذا كان مغرب اليوم قد استطاع التأسيس لدولة وطنية حديثة، تتوق إلى إنجاح انتقالها نحو الديمقراطية بشكل سلمي، فإن ممارسات السلطة في عدد من المناطق ما زالت تخالف أسس هذه الدولة وفلسفتها، ما يعني إمكان العودة إلى الأوضاع السابقة، وهو ما ليس في صالح بلدنا.
وأشار عصيد إلى قانون الرعي 13-113 الذي وضعته الحكومة لتنظيم شؤون الرعي بسوس، على أن القانون استحضر مصالح الرعاة وتناسى مصالح السكان الأصليين، كما أنه تناسى قوانين أخرى أصبح في تعارض ظاهر معها، وأغفل بجانب ذلك كله ثقافة السكان وقيمهم وعاداتهم منذ القديم، والتي كانت تؤطر نظام علاقات سلمية تبادلية في تدبير شؤون الرعي، سواء المتعلق بقطعان السكان أنفسهم أو الرعاة القادمين من المناطق الصحراوية حسب المتحدث.
ووطلب الناشط الحقوقي في الأخير ، من وزير الداخلية، اعطاء أوامر صارمة إلى السلطات الجهوية والمحلية لتدارك الوضع بمناطق سوس ماسة، وإجلاء قطعان الرعاة الرحل عن ممتلكات السكان وقراهم، وضمان الأمن والاستقرار المطلوب، وإحداث مراعي لهؤلاء الرعاة بمناطقهم الصحراوية مع توفير شروط الرعي وإمكانياته لهم.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.