عبد اللطيف أعمو*//
يحتفل العالم اليوم بذكرى اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1948 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وفي سنة 1950، اعتمدت الجمعية العامة القرار 423 (د – 5) الذي دعت فيه جميع الدول والمنظمات المعنية للاحتفال بـ 10 دجنبر من كل سنة كيوم أممي لحقوق الإنسان.
وتحتفل الأمم المتحدة هذه السنة باليوم العالمي لحقوق الإنسان بتدشين حملة مدتها سنة تهم حلول الذكرى السنوية الـ50 للعهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان وهما: العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية و العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذين اعتمدتهما الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 كانون الأول/ديسمبر 1966.
وبالمناسبة استقت يومية بيان اليوم شهادة ذ. عبد اللطيف أعمو، محام ونقيب سابق، ضمن شهادات فاعلين حقوقيين ومدنيين في إطار ملف خاص براهن حقوق الانسان بالمغرب.
الحديث اليوم عن أهم مميزات وضع حقوق الإنسان في المغرب يتطلب وضعه في إطار مقتضيات الدستور الجديد، الذي جعل من حقوق الأفراد والجماعات مسألة محورية وجوهرية مرتبطة بمقومات الهوية الوطنية والتزامات الدولة تجاه المجتمع الوطني والدولي حسب ما هو واضح بصريح العبارة في تصدير الدستور.
لذلك، أصبح الهاجس الحقوقي ملتصقا بالعمل التشريعي بشكل بنيوي سواء على المستوى المعياري أو على مستوى السياسات العمومية. فأصبحت الحكومة باعتبارها جهازا تنفيذيا والدولة بكافة أجهزتها مطالبة بتنفيذ مقتضيات الدستور والقوانين المتفرعة عنه.
فعلى المستوى التشريعي، لست بحاجة إلى التذكير بعدد كبير من القوانين والاتفاقيات الدولية التي لها صلة بحقوق الانسان والتي صادق عليها المغرب كقانون العدل العسكري الذي تمت صياغته بشكل يكاد ينسجم كليا مع منظومة حقوق الانسان باستثناء بقاء عقوبة الاعدام، إضافة إلى عدد كبير من القوانين الأخرى لا يتسع المجال هنا لذكرها.
وعلى المستوى المعياري، لست كذلك في حاجة إلى التذكير بالجهد المبذول لتعزيز الممارسة الاتفاقية للمغرب والمصادقة على عدد من الاتفاقيات والبروتوكالات الاختيارية في مجال الحريات الشخصية والحريات الفردية والجماعية كالاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري والبروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب وقرار المغرب برفع التحفظات عن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء ومساهمة المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مجال إبداء الآراء الاستشارية في العديد من المواضيع المرتبطة بالتشريع، سواء منها المعروضة أمام البرلمان أو التي ما زالت في طور الاعداد.
والأهم من هذا كله هو مجال السياسات العمومية المرتبطة بالتحولات المجتمعية العميقة والمرتبطة بالانتقال الديمغرافي وتسارع وتيرة التمدن والرغبة الجامحة في ولوج عالم المعرفة كحق من حقوق الإنسان في أجواء عامة تتميز ببروز الشباب كفاعل جوهري في الساحة الاجتماعية وتعاقب الأجيال. كلها تحولات تفرض على الدولة تحديات كبرى في مقدمتها رهانات التربية والتكوين والإدماج والصحة بجانب تحديات بيئية مرتبطة بالاستدامة.
وأعتقد أن من أولى التحديات الكبرى المرتبطة بهذه التحولات العميقة تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة والمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز. مما يتعين معه التسريع بإحداث هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال الميز. مما يتعين معه التسريع بإحداث هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، من خلال اعتماد مقاربة تؤصل للمساواة بين الجنسين، ومراعاة طابعها الكوني، وعدم قابليتها للتجزيئ، والتطلع إلى دور المجتمع المدني والمقاربة التشاركية وحضر المساس بالسلامة الجسدية، والمعنوية لأي شخص، والولوج المتساوي للنساء إلى الوظائف الانتخابية، وإلزام الدولة بالعمل على تفعيل القوانين، التي تضمن الحريات، والمساواة بين المواطنين والمواطنات.
وأعتقد أن اعتماد مشروع قانون المتعلق بهيئة المناصفة ومحاربة كل أشكال التمييز يعد خطوة هامة في إقرار المساواة بين الجنسين، بالرغم من الملاحظات التي أبدتها العديد من الجمعيات النسائية والحقوقية، فالأمل معقود على البرلمان لإنصاف النساء والتعمق في الملاحظات المثارة حول المشروع والعمل على الأخذ بها.
كما أعتقد أن من الرهانات المطروحة حاليا على الدولة وعلى البرلمان هي المرتبطة بإصلاح منظومة العدالة كمطلب لتكريس ضمانات المحاكمة العادلة بما في ذلك الولوج إلى العدالة واستقلال السلطة القضائية ومكافحة التعذيب والقضاء عليه جذريا وضمان حقوق الأشخاص المحرومين من الحرية، وتطوير المنظومة الجنائية.
واعتبر كذلك أن من الرهانات الكبرى في الوقت الراهن دعم وتقوية ضمانات الحريات العامة والفردية وضمنها الحق في التظاهر السلمي وحرية الجمعيات وحرية الصحافة والحق في النقاش العمومي الحر وإبداء الرأي في كل القضايا المجتمعية التي ما زالت طابوهات يكاد الكلام حولها أن يعتبر من باب المعاصي، كالحديث عن الاجهاض وحق النساء في تملك ذواتهن والمساواة في الحقوق والواجبات، بما في ذلك ما يتطلب الاجتهاد من أجل التطوير في بعض القضايا الشائكة، وكل القضايا المحظورة على النساء .
وكل هذا يقتضي مراجعة المنظومة القانونية المؤطرة للحريات العامة في أبعادها الثلاثة في أفق توسيع حرية ممارستها وتعزيز دور القضاء في حمايتها.
وتعتبر ضرورة تقوية الإطار القانوني ودعم الحريات العامة في مجال ضمان حقوق الفئات الهشة من ضمن رهانات المرحلة الراهنة والتحدي المركزي الذي تلتقي حوله كل هذه الرهانات الحقوقية الكبرى يتمثل في آليات تشجيع المشاركة المواطنة في آليات الديمقراطية التمثيلية والتشاركية، والنهوض بأدوار المجتمع وبثقافة حقوق الإنسان وبالمنظومة التربوية والتكوينية كرافعة للمواطنة ولنشر ثقافة حقوق الإنسان.
وعلى الحكومة والبرلمان الحرص الجاد والأكيد على تنشيط هذه الدينامية وتقويتها على المستوى المعياري وعلى مستوى السياسات العمومية وعلى المستوى التشريعي والمؤسساتي.
ويعتبر اعتماد الخطة الوطنية في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية، الضامن للشمولية و لالتقائية السياسات العمومية في المجال الحقوقي.
*شهادة عبد اللطيف أعمو حول الواقع الحقوقي في المغرب سنة 2015.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.