لعل استحضار مختلف المساهمات الفلسفية التي أثثت سياق ومجال اشتغال الفكر الحداثي يلزمنا الوقوف على محطة أساسية من تاريخ الفلسفة السياسية الحديثة، يتعلق الأمر بالجديد الذي أدخله جون جاك روسو على المجال النظري في البحث السياسي.
يعتبر جون جاك روسو أحد أبرز ممثلي عصر الأنوار والتوجه المساواتي إلى جانب العديد من الباحثين والفلاسفة كفولتير، مونتيسكيو، ديدرو ودالامبير…إذ يجسد جان جاك روسو من خلال أعماله الرائدة الفيلسوف المهموم المشغول بمشاكل عصره – بل المثقف العضوي على حد تعبير كرامشي- المنخرط انخراطا فعالا في النقاشات السياسية المتجددة الرهانات والانتظارات التي تسعى الحكومات الحديثة إلى تحقيقها ؛ حيث وجه النقد اللاذع إلى مختلف الظروف التي كانت تعيشها فرنسا وأوروبا قبل الثورة الفرنسية، الأمر الذي أكسب كتاباته صفة الراهنية بحيث تحضر الروح الفكرية لجون جاك روسو في التحليل السياسي للفلسفة المعاصرة مع جون راولز وإيمانويل كانط .
يمثل مقال جون جاك روسو “أصل التفاوت بين البشر” – أنظر ترجمته إلى الأمازيغية ضمن العدد 25 الورقي – المفتاح الأساسي لفهم نظريته الاجتماعية والسياسية؛ إذ بدون استيعابنا للأفكار الواردة في المقال السابق الذكر يستحيل علينا فهم ومناقشة أفكار العقد الاجتماعي ، بحيث أن الأفكار الواردة فيه هي الخيط الناظم لنظرية روسو في السياسة والاجتماع.
فالإنسان في مرحلة الطبيعة يتميز بالحرية التي تسمح له بتحقيق كل أهدافه بدون قيد أو شرط يكبل إرادته، حيث يؤكد روسو في كتابه أصل التفاوت بين البشر على ” أن أفراد المجتمع قد عاشوا أحرارا وصالحين طالما قنعوا بكوخهم البسيط، واكتفوا بلباس الجلود ثيابا وبالريش زينة ؛ أي طالما لم ينشغلوا إلا بالأعمال التي في مقدور فرد واحد القيام بها، لكن ما أن راودت الإنسان حاجة إلى أن يؤازره أخر حتى اختفت المساواة وظهرت الملكية وغدا العمل ضروريا”.
ليصل إذن روسو بأن الاجتماع البشري عصف بالحياة الخيرة للإنسان وأدخلها في دواليب التدهور والانحطاط ، وانطلاقا من هذه المرحلة طفا التفاوت والاستغلال على اعتبار أن المجتمع والاجتماع يتأسس على المصلحة الخاصة وليس على المصلحة العامة، وبالتالي فإن تضارب المصالح من شأنه أن يِؤدي إلى الصراعات ويسبب في التناقضات.
أدى ظهور الملكية إذن إلى نزوع الجنس البشري نحو التدهور، يقول روسو: ” إن أول من سيج أرضا وقال هذا ملك لي، ووجد أناسا يصدقونه كان المؤسس الحقيقي للمجتمع المدني” لكن ليس المجتمع المدني بالمعنى الذي نتداوله حاليا لكن التجمع الإنساني.
يذهب روسو إلى اعتبارا الملكية عامل سلبي في تاريخ الإنسانية إذ أن ملكية الأرض تولد اللامساواة ويؤدي إلى صراع المصالح والاستغلال والعبودية .
والحقيقة أن هذا المقال ” أصل التفاوت بين البشر” قد يلهم الدارس للقوانين الأمازيغية لاستيشاف نوعا من التلاقي بين روسو والمشرع الأمازيغي على مستوى المبادئ العامة ، وذلك في سياق النظر إلى الملكية لوسائل الإنتاج من منظور سياسي تاريخي له تأثير كبير على نوعية العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع الأمازيغي.
على هذا الأساس يمكن لنا فهم النزاع الدائر بين الدولة المغربية والسكان حول الأراضي والموارد الطبيعية بحيث كل المناطق والجهات المنتفضة ضد قرارات نزع أراضي السكان الأصليين هي المعروفة تاريخيا ببلاد السيبة أي التي لا يربطها أي تعاقد مع السلطان غير البيعة في الأمور الروحانية فقط دون الأمور السيادية ، لذا وجدت الدولة الوطنية نفسها في تصادم مع المواطنين باعتمادها خيار تفكيك الأشكال والتنظيمات السياسية التي أفرزها التاريخ عوض البحث في ما يجب أن يوجد فعلا من خلال إرساء مبادئ الحق السياسي التي تصب أساسا في قيام مجتمع متماسك سياسيا عن طريق القيام بنوع من التعاقد الواضح والضامن للحقوق والأمن والسلام.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.