أزول بريس – الحسن بنضاوش //
لم تنجو المدارس العتيقة السوسية والمغربية عموما من تداعيات جائحة كورونا لتلقى نفس المصير المشترك مع المؤسسات التعليمية في الإغلاق مباشرة مع إعلان حالة الطواري والحجر الصحي مارس الماضي، رغم قلق وحسرة الفقهاء والطلبة الذين غادروا المدارس العتيقة افواجا في اتجاهات مجهولة في غالب الأحيان لاختلاف الأعمار وتفاوت في المستويات الاجتماعية والطبقية.
فالمعلوم والأكثر أن الطبقة التي تتواجد بالمدارس العتيقة وتنخرط في التعليم الديني العتيق هي فئات اجتماعية هشة وفقيرة لكنها غنية بحفظ كتاب الله وتسخير حياتها للعناية به وتمريره إلى الأجيال الصاعدة في منافسة شرسة مع العولمة والتعليم العصري العمومي والخصوصي وتراجع استقطاب هذه المؤسسات للطلبة أمام الإغراء الذي تقدمه المؤسسات الأخرى المنافسة .
ومع إعلان حالة الطواري والإغلاق الكلي، وتفريغ المدارس العتيقة من الطلبة ومغادرة الفقهاء والأئمة بها والمدرسين إلى منازلهم، بقيت تلك المؤسسات إلى الآن باستثناء من انخرطت سابقا في النظام التعليمي لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والالتزام بالإجراءات الاحترازية والوقائية من أجل مواصلة التعليم ومواكبة السنة الدراسية للموسم الجديد، مغلقة وفي الهامش المؤسساتي والاجتماعي، رغم مجهودات بعض الجمعيات المسيرة والمدبرة لشأن هذه المدارس والعمل على ضمان الحيوية بها من خلال الإصلاحات والتجهيز وغيرها في استغلال معقلن للوقت وفراغ هذه المؤسسات من الطلبة .
إلا أن واقع هذه المدارس التي كانت تقدم خدمة دينية وصوفية وتعبدية بمناطق سوس في الجبل والسهل بإمكانيات ضعيفة جدا، وفي ظروف صعبة وقاسية يتحملها الفقهاء والطلبة والمدرسين من أجل طلب العلم وحفظ كتاب الله، واقع ازداد صعوبة وتعقيدا وهؤلاء في منازلهم في غياب الدعم المادي والمعنوي لهم خاصة الطلبة الذين غادروا إلى منازلهم أو ربما في اتجاه مجهول لصعوبة الظروف المادية والاجتماعية للأسر، وربما إلى غير رجعة للمدارس العتيقة والتعليم العتيق، فالتخوفات كبيرة من عدم رجوع أغلب الطلبة إلى المدارس العتيقة خاصة من التحقوا بالعمل أو غيروا وجهة حياتهم من أجل ضمان العيش وتحقيق الذات، إضافة إلى تخوف أخر من مردودية الطلبة العلمية والقرائية أثناء العودة وهم في قطيعة مباشرة مع المؤسسات والفقهاء والمدرسين لأكثر من تسعة أشهر متوالية قد يكونوا فيها بعيدين كل البعد عن الحفظ والتدريس .
واقع يضاف اليه اكراهات الدعم المادي للجمعيات المسيرة للمدارس العتيقة والتي وجدت صعوبة في تدبير شؤونها المادية والمالية بسبب تراكم الديون.
كما عبرت المجالس المنتخبة التي كانت تمنح لهذه الجمعيات منح سنوية عن صعوبة تمرير هذه المنح أمام جائحة كورونا،وتراجع كبير في الدعم الاحساني من الأعيان والساكنة المجاورة للمدارس العتيقة، إضافة كذلك لغياب التام للمواسم الدينية بالمدارس العتيقة والمناسبات الدينية التي كانت دائما فرصة اللقاء بين الفقهاء والطلبة والمدرسين مع الأعيان والمحسنين والمساهمين لتحسين الأوضاع وتشجيع حفظ القران والعلوم الشرعية النمط المتوارث عبر القدم في التعليم من مميزات الدين الإسلامي السمح المغربي .
وفي انتظار أن تعود الأمور الى حالها الطبيعي، لابد من التفاتة صادقة ومنصفة من كل الجهات لحال وأحوال المدارس العتيقة بالمغرب عموما وسوس خاصة من أجل المحافظة على هذا الإرث الديني والثقافي والعلمي لمغربنا الحبيب.
ولكي لا تكون جائحة كورونا سببا في فقدان مدارسنا العتيقة ونحن نودع هذا الشهر من فقهائنا الإجلاء فقيهين كبيرين كانوا من تلاميذ المدارس العتيقة وعاشوا حياتهم بها ليموتوا وهم فقهاء المدارس العتيقة بعد عطاء وخدمة للدين وللوطن .
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.