العين الأخرى 08 : القاعات السينمائية: هل يأتي المثال من الشمال؟
تم الحديث مؤخرا عن كون جهة طنجة – تطوان- الحسيمة عازمة على اقتناء قاعة سينما اسبانيول بتطوان. ولم يتم تأكيد الخبر أو نفيه رغم أن البلاد شهدت أواخر الشهر الماضي انعقاد الدورات الصيفية لمجالس الجهات على كامل تراب المملكة. وربما من المفيد التذكير بهذا الصدد أنه سبق لرئيس جهة الشمال أن عقد على هامش إحدى دورات المهرجان الوطني بطنجة جلسة موسعة مع ممثلي هيئات القطاع السينمائي تم التداول فيه على مايمكن للجهة أن تقدمه لتطوير العرض السينمائي بالجهة على جميع المستويات كما أن مختلف المتدخلين باسم المهن السينمائية قدموا اقتراحات عملية تصب في اتجاه استعداد قطاع السينما على عقد شراكات مع الجهة على أساس برامج عمل تهدف في مجملها إلى العمل على إحياء البعد الجماهيري الشعبي للفرجة السينمائية وبوابة ذلك الطموح هو رد الاعتبار للقاعة السينمائية: الوطن الأصلي والطبيعي للفلم السينمائي.
وليس صدفة أن يتم الحديث في إطار هذا الخبر على قاعة سينما اسبانيول. إنها قاعة ذات حمولة تاريخية- ثقافية و رمزية غنية الدلالة في الجهة. رغم انه بالنسبة لمن يزور تطوان أول مرة عندما يمر بالشارع الذي يحتضن القاعة لا يلاحظ شيئا متميزا. فهي بناية ضخمة وبوابة لا توحي بما وراءها. مذكرة بهندسة الجمال والإغراء بالمدن العتيقة. حيث تتم إخفاء مختلف تجلياته وراء أسوار عظيمة، تقريبا بدون نوافذ…مستعصية بالتالي على العين الغريبة. فقاعة سينما اسبانيول كالجمال الأندلسي يجب الوصول إليه لاكتشافه من الداخل. وفعلا فهي قاعة عبارة عن تحفة فنية من ناحية معمارها وتشكيلها الداخلي. وإغلاقها أو تحويلها الى مركب تجاري أو غيره بمثابة الجريمة الثقافية. واعتداء على الذاكرة الفنية والمعمارية للمدينة والبلد. وأن يتم التفكير في أن يكون البديل – بعد أن استسلم صاحبها لفشلها كمشروع مربح – هو اقتناءها من طرف الجهة يعتبر مبادرة مدنية بأبعاد حضارية. كما أنها مبادرة منسجمة مع التوجهات الجديدة للجهة كوحدة سياسية مواطنة ذات اختصاصات موسعة في سياق مشروع تنموي مندمج ومتعدد الأبعاد.
والحديث عن حالة سينما اسبانيول يذكرنا بمبادرة مدنية أخرى جاءت هذه المرة من أكادير حيث تم تعبئة عدة فعاليات أثمرت عريضة تم تسليمها لمجلس المدينة من أجل إنقاذ قاعة سينما “صحراء” المعلمة الرمز لحي تالبورجت التاريخي بمدينة الانبعاث.
نحن إذن أمام مبادرات حقا يتيمة ومعزولة ولكنها تحمل مؤشرات دالة وتعبر عن وعي حقيقي بطبيعة الإشكال. لقد أصبح من التكرار الممل الحديث عن موت القاعات السينمائية بالمغرب. كما أنه أصبح واضح للعيان غياب أدنى استعداد للسلطات الحكومية بتبني برنامج سياسي استراتجي شامل للقطاع السينمائي يضع في صلب اهتمامه توفير مناخ مساعد للإنتاج السينمائي الوطني بخلق شروط سوق داخلية تستفيد من دينامية الإنتاج وتوفر له شروط الاستمرار والتطور. نشير الى غياب القرار السياسي رغم أن مكونات القطاع من هيئات مدنية ومؤسسة رسمية وضعت على طاولة الحكومات المتعاقبة ملفات متكاملة من أجل إصلاح شمولي لمعضلة القاعات السينمائية.
ويبدو لي أن بوادر الحل قد تأتي من الأسفل أي من مبادرات المواطنين وهيئاتهم المنتخبة. وذلك في اتجاهين. يمكن مثلا أن نتخيل تنظيم وتأسيس جمعية مدنية مواطنة تهدف لاقتناء قاعة سينمائية والعمل على إنقاذها وتسييرها (في مدينة مرتيل أظن هناك شراكة بين النادي السينمائي المحلي ومجلس المدينة مكن من الحفاظ على القاعة الوحيدة بالمدينة)
ويبقى الحل الأمثل والممكن هو تدخل الجهة كفاعل دو مشروعية سياسية ودستورية للعمل وفق مخطط ثقافي متكامل على دعم القاعات السينمائية بل وأن تعمل كل جهة على اقتناء قاعة سينمائية ذات حمولة رمزية وتجعل منها منارة تضيء بإشعاعها فضاء الجهة والوطن. إن ذلك لن يكون مكلفا كثيرا بالنظر للإمكانيات المتوفرة للجهات وسيكون مردودها بقيمة كبيرة. فلنتخيل أنه من الغد يمكن للمغرب أن يتوفر على 12 قاعة سينمائية إضافية بمواصفات مهنية وثقافية من المستوى العالي و أي أفق سينفتح أمام الفلم المغربي (والأفلام الإفريقية وغيرها المحرومة من التوزيع) الذي لا يتوفر اليوم في أحسن الأحوال الا على توزيع محدود معدله خمس أو ست قاعات…. 12 قاعة إضافية منفتحة على البرمجة الثقافية والسينمائية وقد تشكل في المستقبل أنوية جهوية للخزانة السينمائية الوطنية خاصة وعلى رأسها اليوم سينمائية طموحة، المخرجة نرجس النجار وسيتوفر المغرب آنذاك على شبكة من القاعات من نوع “فن وتجربة”
إن الجهة هي المستقبل. والاستثمار الثقافي هو الحل
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.