العين الأخرى 07 : محمد أبزيكا “النسر الجريح”
احتضنت كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية بايت ملول (جامعة ابن زهر) تظاهرة فكرية ثقافية ذات بعد إنساني تكريما لروح الأستاذ المرحوم محمد أبزيكا، الجامعي، المثقف و السينيفيلي… وتميزت التظاهرة بفكرة أصيلة تمثلت في المناقشة البعدية لأطروحة الراحل لنيل الدكتورة والتي شرع بتأني و اجتهاد في إعدادها…قبل أن يستسلم لقضاء الله وقدره. وتشكلت لهدا الغرض لجنة علمية راقية برئاسة الأستاذ الجامعي و الانتروبولوجي المعروف حسن رشيق والتي قررت منحه الدكتورة الفخرية بعد نقاش شيق مثير و ممتع. زاوج بين الشهادة الإنسانية الصادقة والبحث الجامعي الرصين. ولعل موضوع البحث الذي اقترحه الراحل ساهم في خلق أفق تفكير واعد ومحفز. ويتعلق الأمر بأسطورة حمو نمير…
وبالنسبة لمن يعرفون الأستاذ أبزيكا فان هذا الاختيار يأتي في إطار سياق فكري منسجم ميز من زمان مختلف تدخلات الراحل في الحقل الثقافي وهو توجه بالنظر للمناخ السائد آنذاك (يمكن رصده في الفترة من أواخر الستينات إلى بداية التسعينات) أقل مايمكن القول عنه أنه متفرد بل و جريء في مواجهة منطق أخر كان سائدا داخل الحقل الثقافي. وقد تجلت هذه المفارقة في اطارثقافي وطني عرف تدخل متميز للأستاذ أبزيكا وهو الجامعة الوطنية للأندية السينمائية. لقد كان عضوا نشيطا وسينيفيليا متمكنا مما جعله يتبوأ منصب رئيس النادي السينمائي 2000.
لقد جاء اهتمامه بالسينما في سياق متكامل و منسجم يتأسس على بناء نظري ديناميكي و متفتح. رافعته قناعة فكرية راسخة ،و استباقية في طرحها لعدة إشكالات لم تكن تحظى باهتمام “الثقافة العالمة”. فاهتمامه بالسينما جزء من همه الفكري العام حول ما يسميه ادكار موران “الثقافة الموازية” ضدا على الثقافة المؤسساتية. وقد شكل هذا الاختيار نوعا من “الانشقاق” عن السائد. إن انحيازه المبكر و الواعي لمختلف تعبيرات الثقافة الشعبية جعلت منه “مثقفا منشقا” بامتياز. لقد كان المرحوم أبزيكا يقرأ السياسي بالثقافي في لحظة كنا نحن مجيليه في الأندية السينمائية نقرأ الثقافي بالسياسي. بل بالإيديولوجي. وكنا نعتبر كل حديث عن الثقافة الشعبية نوع من الانحراف عن “خط الطبقة العاملة” حيث جعلنا أنفسنا بنوع من التعسف حراس المعبد المقدس الذي رفض أبزيكا الخضوع لطقوسه. مفضلا التحليق عاليا وبعيدا عن الجاذبية… قبل أن يسقط “كنسر جريح” أسوة برمز من رموز الأسطورة التي انحاز للاشتغال عليها.
وقد كان فلم ألف يد ويد (سهيل بنبركة، 1972) “ضحية” هذه المفارقة السياسوية الفجة التي كانت سائدة آنذاك. فادا كان اليوم يعتبرمن أفضل عشرة أفلام مغربية فقد واجهناه بقصف ايديولوجي. حيث رفضناه شكلا ومضمونا معتبرين على المستوى الجمالي أنه يسوق نوع من الصورة الكارط البوسطال الموجهة للغرب. وانتقدنا بشدة مشهد الموسم السنوي ذي الطقوس الشعبية الذي لجأت إليه عائلة الصباغ موحا وأيضا مشهد الجذبة الذي يسبق النهاية التراجيدية للفلم…
علامات من الثقافة الشعبية كان المخرج مخلصا في التقاطها و أبزيكا رائدا في قراءتها. رحمه الله. وشكرا لمن ساهم في إحياء ذكراه. والكرة الآن في ملعب الجامعة الوطنية للأندية السينمائية لتدارك مافات.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.