الحسين بويعقوبي//
مند تعيين الدكتور سعد الدين العثماني رئيسا مكلفا بتشكيل الحكومة خلفا للسيد عبد الاله بنكيران والأمازيغية حاضرة بشكل أو بآخر في النقاش العمومي وعلى مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من أي وقت مضى رغم مرور وزراء أمازيغ كثر في الحكومات المغربية السابقة. ويرجع السبب في نظري إلى كون الدكتور العثماني لا يخفي أمازيغيته ويعتز بها بل يعتبره البعض متزعم التيار الأمازيغي الإسلامي من داخل حزب العدالة و التنمية في مقابل تيار بنكيران الذي لا ينظر إلى الأمازيغية إلا كإشكال يعكر جوه من حين لآخر وهو ما يدفعه إلى الاستهزاء بها كلما سنحت له الفرصة بذلك. ويبدوا أن رد أخ سعد الدين, فريد زين الدين العثماني في مقال مطول موسوم ب”رجاء دعك من لغتي فهي كل ما تبقى لي من الهوية (2011)” كان ردا بالنيابة على استهزاءات بنكيران. لكن في المقابل و رغم كل المواقف الايجابية التي يعبر عنها الدكتور العثماني فهو لم ينل رضا كل مناضلي القضية الأمازيغية وهو ما جعله بين مطرقة معارضي الأمازيغية في حزبه وسندان بعض المنتمين للحركة الأمازيغية. لكن أمازيغية العثماني لا يمكن أن تزال بموقف هذا أو ذاك بل يفرضها المولد و المنشأ واللغة والثقافة التي طبعت مساره, فهي ليست فقط تلك الصورة التي يعطيها عن نفسه بل أيضا الصورة التي يعطيها له الآخرون والتي ليست إلا انعكاسا لعدم تنكره لها. وقد تعززت هذه الصورة بعد إدلائه بتصريح له بالأمازيغية بعد تعيينه وبذلك يضيف لسجله كونه أول رئيس حكومة مغربي يعطي تصريحا صحفيا بالأمازيغية بعد أن كان أول وزير خارجية مغربي (ومغاربي) يطالب رسميا بالكف عن استعمال عبارة “المغرب العربي”. وهذه المواقف هي التي ربما تفسر بعض السلوكات “العنصرية” المعبر عنها في مواقع التواصل الاجتماعي والتي تعاملت مع العثماني بعد تعيينه كأمازيغي أولا قبل أن تنظر إليه كرئيس حكومة, بل إن بعض الآراء رأت في تعيينه ترجيحا لكفة الأمازيغيين عموما والسوسيين خصوصا لتدبير هذه المرحلة وتم في ذلك الاستعانة بمجموعة من التمثلات الايجابية المرتبطة بالسوسي من قبيل الصدق والوفاء والأخلاق وحسن تدبير الخلاف, بل اتجه البعض إلى ترجيح انتماء أغلب زعامات الأحزاب لسوس (العثماني و أخنوش وساجد ولشكر ) وارتباطهم بقيمه لتبديد الخلافات بينهم وتجاوز “البلوكاج” الحكومي وقد يحضر البعد الأمازيغي العام لتسهيل المشاورات مع الياس العماري من الريف و امحند العنصر من الأطلس المتوسط. هذا الأخير الذي فاتحه الدكتور العثماني بالتذكير بالأصل المشترك للحزبين الحركة الشعبية و العدالة و التنمية من خلال علاقة المحجوبي أحرضان بعبد الكريم الخطيب.
هكذا يجد العثماني نفسه يقود مشاورات سياسية بنكهة أمازيغية ممزوجة بهدوء الطبيب النفساني وتتسابق قيادات الأحزاب لاستعمال بعض عبارات هذه اللغة, ليس كلغة رسمية مند دستور 2011, بل كإعلان رمزي للانتماء لفضاء حميمي مشترك ينتفي فيه الصراع ويحضر فيه مفهوم “أو تمازيرت” بما يحمله من دلالات ثقافية و سيكولوجية عميقة. فهذا لشكرعن الاتحاد الاشتراكي يؤكد استعماله للأمازيغية في مشاوراته مع العثماني كأداة للهيمنة على الآخرين وحرمانهم من مضمون المناقشة وبذلك تحضر الأمازيغية كسلطة وهاهو العثماني يستقبل العماري عن الأصالة و المعاصرة بعبارات الترحيب السوسية “مانزاكين” و يرد الياس بالريفية وفي ذلك, سواء عن وعي أو عن غير وعي, تأكيدا لوحدة اللغة الأمازيغية وفي نفس الاتجاه سار الوزير السوسي عزيز أخنوش الذي دعا الوزير الداودي من الأطلس المتوسط مستعملا فعل “أشكيد”.
قد تكون هذه الأمور بالنسبة للبعض بديهية ولا تستحق الإثارة وقد يعتبرها البعض الآخر استراتيجية مدروسة لإلهاء الشعب عن “المهم” و “الأهم” وقد يقول قائل دعونا من هذه التفسيرات “القبلية” و”الاثنية” التي لا تجدينا نفعا لأن الأمازيغية قبل كل شيء قضية ديمقراطية, لكن كما يقول المثل الفرنسي “في التفاصيل يختبئ الشيطان”. فقد لازمت الأمازيغية عبد الاله بنكيران مند النقاش الدستوري في 2011 إلى آخر أيام ولايته تاركا استياء كبيرا في صفوف كل الديمقراطيين من طريقة تدبيره للملف وها هو سلفه, الأمازيغي حتى النخاع, تحضر معه الأمازيغية مند أول يوم لتعيينه وتصاحبه خلال المشاورات في انتظار تشكيله للحكومة. وسيبقى أغرب وضع ستعيشه الأمازيغية خلال الخمس سنوات المقبلة هو أن يتزعم سعد الدين العثماني أغلبية حكومية مكونة من أحزاب يتزعمها من لا ينكرون أمازيغيتهم في مقابل معارضة يتزعمها حزب لا يكف عن الدفاع عن الأمازيغية ومع ذلك “لاشيء” يتحقق للأمازيغية.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.