رشيد الراخا//
كان وزير الاتصال السابق، مصطفى الخلفي، يذكرنا مرارا بأنه قبل حوالي عشر سنوات (حوالي 15 سنة اليوم) كانت هناك عشرة عناوين صحفية أمازيغية، واليوم لم يبق منهم إلا واحدا وهو “العالم الأمازيغي”، بعد أن توقفت “تاويزا” عن الصدور في شهر غشت سنة 2012 ، وتحولت جريدة “نبض المجتمع” إلى مجلة.
وفي الحقيقة، فإن جريدة “العالم الأمازيغي” كان سيكون مصيرها التوقف أيضا، على غرار باقي العناوين الأمازيغية وضمنها “تاسافوت”، و”تامازيغيت”، ,”أكراو”، ,”تامونت”، و”أمزداي”، و”تيلواح”، و”إيمازيغن”…التي اندثرت بسبب مشاكل مالية عويصة..
وبفضل نضالية الصحافيات والصحافيين الأمازيغ، اضطرت وزارة الاتصال المغربية أن تعترف أخيرا بأن هناك نوع ثالث من الصحافة المكتوبة، ويتعلق الأمر بـ”الصحافة الأمازيغية”، إلى جانب الصحافة المكتوبة بالعربية والفرنسية (المتشبعة بالقومية العربية والإسلام السياسي).
وكان معظم ما ينشر بالصحافة الأمازيغية يكتب بثلاث لغات (العربية، والأمازيغية والفرنسية) وذلك في مختلف المجالات والحقول المرتبطة بالإنسان والمجتمع وكذا هوية وتاريخ وحضارة الشعب الأصلي بتامورت ن واكوش(المغرب) وتامازغا (شمال إفريقيا).
وأحصت الوزارة المعنية، في سنة 2006، حوالي 282 عنوانا صحفيا باللغة العربية، وهو ما يشكل نسبة 70.86 في المائة من مجموع الإصدارات، و107 عنوانا باللغة الفرنسية، أي ما يعادل 26.88 في المائة من مجموع الصحافة الصادرة آنذاك، و9 عناوين فقط باللغة الأمازيغية وهي نسبة ضئيلة لا تتعدى 2.26 في المائة من مجموع الصادرات آنذاك. وللأسف الشديد، فإن هذه النسبة تقترب اليوم لا محالة من صفر بالمائة. لماذا؟
إن أسباب ذلك معروفة ويتم استعراضها كل مرة في العديد من المنتديات والندوات المرتبطة بالإعلام الأمازيغي، حيث نخرج بتوصيات جميلة صادرة عن حسن نية، لكن دون الالتزام بها حيث لا تجد طريقها إلى التطبيق على أرض الواقع. وفي هذا الإطار، يمكن التطرق إلى عشرات التوصيات الصادرة عن الندوة الوطنية التي نظمت من طرف المعهد الملكي للثقافة الامازيغية يوميْ 13 و 14 دجنبر 2003 حول موضوع “الواقع والآفاق المستقبلية للصحافة الامازيغية”، بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، والتي بقيت حبرا على ورق. إن الاسباب التي تدفع وسائل الإعلام الأمازيغية إلى التوقف معروفة وتنحصر حتما وبكل بساطة في نقص الموارد المالية، وغياب المهنية، والتوزيع السيئ الذي تقوم به شركات توزيع الصحف(سابريس وسوشبريس)، وحرمان الصحف الأمازيغية من الإعلانات الاشهارية، بسبب التمييز العنصري الذي تقوم به الشركات المغربية الكبرى..
وبخصوص هذه النقطة الأخيرة، تجدر الإشارة إلى أن الشركات والمقاولات الكبرى التي يسيرها نساء ورجال أعمال أمازيغ، كما هو الشأن بالنسبة لشركة إفريقيا، تغدق بكرم حاتمي بإعلاناتها الاشهارية على الصحف المكتوبة بالعربية والفرنسية، في حين لا تجد هذه الإشهارات طريقا لها إلى الصحف الأمازيغية. والأدهى من ذلك، أن نساء ورجال الأعمال الامازيغ، من خلال دعمهم هذا، يساهمون عبر الإعلانات الاشهارية، في تعزيز واستمرارية صحف غالبا ما تكون مناهضة للامازيغية، والتي ترفض الإقلاع عن خطها التحريري المعادي للامازيغية أو على الأقل عدم ترديد بعض التعابير كـ” المغرب العربي” وكتابة “المغرب الكبير” عوضها. وهي صحافة موالية ومتعصبة للإيديولوجية البعثية ولتنظيمات الإسلام السياسي بالمشرق والتي تقصف القراء المغاربة يوميا بأكاذيب وأضاليل وبصور نمطية لا علاقة لها بواقع الامازيغ ومناضلي الحركة الامازيغية، الذين يتم نعتهم عنوة وبغير حق وبأساليب وقحة بالعمالة لإسرائيل والتواطؤ مع المخابرات الفرنسية وخدمة الامبريالية الأمريكية، والإلحاد الديني والانفصاليين الجهويين والتطرف السياسي والتعصب ألاثني…
لنأخذ كمثال كيف تم التطرق إلى الصراع في أزواد بشمال مالي: لقد أصبحت الصحافة الفرنكفونية ناطقة رسمية باسم الاحتلال الجديد للجيش الفرنسي بإفريقيا، في حين أبدت الصحافة الناطقة بالعربية تعاطفها مع الحركات الجهادية كما لو أن ساكنة المنطقة والثوار الطوارق ليسوا أفارقه ومسلمين، كما هو الشأن بالنسبة لأغلبية الامازيغ في المغرب. أي نعم، إن الأغلبية الساحقة للرأسماليين الأمازيغ يدعمون الصحافة التي تسبهم وتغرس فيهم مركب النقص تجاه من يعتبرون أنفسهم “عربا”، علما أن الصحافة الأمازيغية المستقلة والمتحررة لا تقوم إلا بالدفاع عن مشروع مجتمع مبني على قيم تنتمي إلى الثقافة والمجتمعات الأمازيغية القريبة جدا من قيم المجتمعات الغربية، والمتمثلة أساسا في العلمانية والمساواة بين المرأة والرجل والديمقراطية والتضامن بين الشعوب والتعدد الديني والاجتماعي واللغوي. خلاصة القول، أن الصحافة الأمازيغية تهدف بالأساس إلى النهوض بالأمازيغية لأجل بناء مجتمع ديمقراطي متعدد وحداثي، في ظل ملكية برلمانية بالمغرب ومن أجل تكريس “دولة للجهات”، خاصة أن اللغة الأمازيغية أضحت معترفا بها رسميا في الدستور المغربي لفاتح يوليوز 2011.
إذا كانت وسيلة الإعلام الأمازيغية الوحيدة، المتمثلة في “العالم الأمازيغي”، مستمرة إلى يومنا هذا فإن الفضل يرجع في ذلك إلى اعتمادها، بخلاف باقي الصحف الأمازيغية الأخرى، على موارد الإشهار التي تحصل عليها من لدن بعض الشركات الكبرى المنفتحة على الواقع الأمازيغي، والتي تستفيد من إعلاناتها الاشهارية كل من الصحافة العربية والفرنسية والامازيغية. لذا، نشكر جزيل الشكر بعض الشركات وخاصة ” “اتصالات المغرب” و مجموعة “البنك المغربي للتجارة الخارجية”، على مساهمتها ودعمها للنهوض بالصحافة الامازيغية وتطورها..
وبما أن مؤسسة “إيديسيون أمازيغ”، الشركة الناشرة لجريدتنا، والمستقلة عن الأحزاب السياسية وتأسست سنة 2001 في إطار قرض بنكي للمقاولين الشباب، استطاعت منذ بضع سنوات أن تفي بمعايير مقاولة إعلامية حقيقية (من خلال التصريح بمستخدميها لصندوق الضمان الاجتماعي، وأداء الضرائب المستحقة…إلخ )، فإنها تحصل على دعم مالي جد متواضع من طرف وزارة الاتصال، تبلغ قيمته 300.000 درهم سنويا.
وبخصوص هذه النقطة، تجدر الإشارة إلى أن هذا المبلغ المتواضع الذي يمنح للصحافة الأمازيغية، لا يمثل إلا نسبة ضعيفة جدا حيث لا يتجاوز 0.004 بالمائة من مبلغ الدعم الإجمالي العمومي الذي تحصل عليه الصحافة المكتوبة من الدولة، والذي بلغ 50 مليون درهما قبل أن يصل إلى 70 مليون درهما حاليا.. وهذا يعني أن حجم الضرائب التي يؤديها الأمازيغ للدولة، الذين يعيشون داخل المغرب وخارجه، لا ينفق منه على صحافتهم المكتوبة سوى صفر فاصلة صفر أربعة بالمائة(%0.004).
ختاما، يمكن القول بأن مبدأ تكافؤ الفرص بين اللغات الرسمية في المغرب، فيما يتعلق بالسياسة الحكومية المتعلقة بالصحافة المكتوبة، بعيدة كل البعد عن الواقع، دون أن نتحدث عن سياسة التمييز الإيجابي التي كان يجب فرضها منذ أن اعترف ملك البلاد بالأمازيغية في خطاب أجدير خلال شهر أكتوبر 2001، وكذا الدين التاريخي الذي يجب أن يطالب به الأمازيغ بسبب حرمان الدولة المغربية للصحافة الأمازيغية من كل أشكال الدعم المادية والمالية منذ أكثر من ستين سنة، أي منذ استقلال البلاد سنة 1965.
ورغم أن الحركة الأمازيغية استطاعت أن تنتزع الاعتراف بالأمازيغية كلغة رسمية في الدستور، إلا أن الصحافة الأمازيغية ستظل دائما محكومة بالموت، إلا إذا استيقظ المواطنات والمواطنون الأمازيغ من سباتهم العميق وتحولوا إلى “قوميين أمازيغ حقيقيين”. لكن، ما معنى أن تكون “قومي أمازيغي”؟ عن الجواب بسيط جدا، فالقومي الأمازيغي هو ذاك الذي يفكر أولا، عندما يرغب في شراء الجرائد أو المجلات، في صحافته الأمازيغية قبل أن يتصفح تلك المكتوبة بالعربية والفرنسية.
القومي الأمازيغي هو بائع الصحف، الذي يفتخر بانتمائه، والذي يعرض على أنظار الناس جرائده وكتبه ولا يخفيها في جوف العلب والصناديق.. القومي الأمازيغي هو كذلك، صاحب المقهى الذي لا ينسى شراء الصحف الامازيغية لزبائنه. وهم رجال ونساء الأعمال الأمازيغ، الذين يفكرون عندما يريدون ترويج منتوجاتهم وخدماتهم في القيام بذلك بواسطة لغتهم الأم، والتفكير في الفنانين والرياضيين والمغنين الأمازيغ ليقوموا بالوصلات الاشهارية لسلعهم، وتكون الأسبقية في نشرها على صفحات الجرائد الأمازيغية وبثها على القنوات الأمازيغية كقناة الثامنة.
عندما يكون لدينا هذا الوعي القومي، كما هو الشأن لدى “القوميين العرب” و”القوميين الاتراك” والقوميين الاسرائليين” و”القوميين الكاتلان”…، عندها فقط كونوا على يقين بأننا لن نتوفر على جريدة أمازيغية واحدة، بل عدة عناوين صحفية ومجلات، ولما لا إذاعات وقنوات تلفزية خاصة أمازيغية مائة بالمائة، ومناصب شغل لمئات الصحافيات والصحافيين المهنيين الأمازيغ.
وفي الأخير، ليس من الطبيعي في شيء أن لا يتوفر المواطنات والمواطنين الأصليين بالمغرب إلا على عنوان صحفي واحد، يتمثل في جريدة شهرية تسحب كمية مخجلة من النسخ تقدر بـ10.000 نسخة، والتي يتهددها الإغلاق والتوقف في كل لحظة وحين، رغم ان المغرب يضم على الاقل 17 ملايين مواطنا يتحدثون الأمازيغية..
رشيد الراخا
مدير نشر جريدة “العالم الامازيغي”
ملاحظة: الصور الرفقة بالمقال تظهر العديد من الصحف والجرائد الامازيغية المتوقفة.
التعليقات مغلقة.