خلال الكلمة التي ألقاها نيابة عن وزير الثقافة و الشباب و الرياضة الناطق الرسمي باسم الحكومة ، مستشاره الدكتور خالد الشرقاوي السموني المكلف بالاتصال والإعلام ، في الجلسة الافتتاحية للندوة التي نظمها مركز الشروق للديمقراطية و الإعلام و حقوق الإنسان ، بعنوان : الإعلام و حقوق الإنسان و سياسات الهجرة ، بالمعهد العالي للإعلام و الاتصال ، يوم الأربعاء 18 دجنبر 2019 ، أكد السموني على أن المغرب حقق إنجازات مهمة في مجال الاعلام و تكريس حرية الصحافة كجزء من منظومة حقوق الإنسان ، مضيفا في هذا الإطار أن ورش الإصلاحات في قطاع الاتصال مستمر بفضل الإرادة القوية لجلالة الملك وعزم الوزارة المسؤولة عن القطاع لتأهيل الفضاء الإعلامي وملاءمة إطاره القانوني مع الدستور و المواثيق الدولية. كما نوه بالسياسة الوطنية ، التي يقودها جلالة الملك في مجال الهجرة ، ذات البعد الانساني والحقوقي.وفيما يلي نص الكلمة :
يشرفني ويسعدني أن أشارك في أشغال هذه الندوة القيمة التي ستناقش موضوعا يكتسي أهمية بالغة يتعلق بموضوع الإعلام و حقوق الإنسان و الهجرة . وفي هذا الصدد، نود التنويه بالجهود الدؤوبة، التي ما فتئ يبذلها مركز الشروق للديموقراطية و حقوق الإنسان من خلال طرح ومناقشة أهم القضايا الوطنية ذات البعد الديموقراطي و الحقوقي.
حضرات السيدات و السادة ،
أصبحت وسائل الإعلام والاتصال في عصرنا الحاضر في صلب حياتنا اليومية. وهي بأشكالها وتقنياتها الحديثة والمتطورة أبعد من وسائل للتخاطب والحوار والتبادل ، إنها ثقافة تشمل جميع جوانب الحياة الفكرية والاجتماعية، ووسيلة للتواصل بين الأمم والشعوب.
و تتجلى أهمية هذه الوسائل من خلال المهام العديدة التي تقوم بها، باعتبارها شرطا من شروط التنمية وتكوين الرأي العام، وأساسا للممارسة السياسية الديمقراطية التي بها ترتقي هذه الوسائل إلى مستوى سلطة رابعة من خلال مهمتها الأساسية في مراقبة أداء السلطات الأخرى الثلاث وتقييمها.
و لا يخفى أن الإعلام بكل أشكاله يعد ركيزة لبناء ثقافة جديدة تفتح الآفاق لتحصين الديمقراطية و مـدخلا فسيحا لتعزيز احترام حقوق الإنسان لأنه يشكل جـوهر هذه الحقوق،و يؤثر بشكل كبير فى بناء الوعي وتـشكيل الـرأي العـام ، و له القدرة على توفير المعلومات و إظهار الحقائق ، و على مخاطبة شرائح واسعة من الجماهير حيث بوسعه تنوير و توسيع مدارك الناس بأمور حياتهم و جوانبها السياسية.
وقد تعاظم الدور الكبير الذي تلعبه وسائل الإعـلام في ظل التقدم التقني الواسع الذى حققته صـناعة الإعـلام وكـذلك التقدم الذي أحرزه الإعلام في نشر المعرفة والوعي و تواصل الـشعوب و تقاربها ، ونقل الآراء والأخبار عبر تقنيات الاتصال الحديثة و المتطورة و اتساع فضاء شبكات التواصل الاجتماعي ، كل ذلك ساعد على تعزيز منظومة حقوق الإنسان و إشاعة ثقافتها عبر العالم .
و ينبغي التأكيد في هذا الصدد على أن هناك ترابط عضوي بين الإعلام و حقوق الإنسان ، فبغير حرية الرأي والتعبير، لا يتحقق إعلام مستقل و قوي ومؤثر. كذلك فإنه بدون تبني الإعلام نشر ثقافة حقوق الإنسان ، تظل حقوق الإنسان مجرد حبر على ورق .وقد تعزز هذا الترابط عبر التطورات المتسارعة في تقنيات الإتصال، بظهور الفضائيات، والإعلام الإلكتروني، ووسائل التواصل الاجتماعي.
و تتعاظم أهمية الإعلام فى عالمنا اليوم مع دخـول بعض المجتمعـات – خاصة المجتمعات العربية – مرحلـة التحول نحو الديمقراطية ، حيث يقع على عاتق الإعلام دوراً أساسياً فـي إشـاعة المعرفة و الثقافة الحقوقية اللازمة لتأسيس وعي سياسي ديمقراطي و التي تمكن المواطن من الدفاع عن حقوقه و تحديد خياراتـه السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
لذلك ، فإن الإعلام ، وبحكم الدور المنوط به، يساهم في تعزيز حقوق الإنسان، ولا سيما عن طريق إسماع صوت جميع مكونات المجتمع . كما يسهم بدور أساسي في نشر ثقافة الحرية و العدالة و المساواة و الاحترام المتبادل والتفاهم. و ذلك لكون وسائل الإعلام تعد المصدر الأكثر أهمية في استقاء المعلومات المتعلقة بواقع حقوق الإنسان في أي بلد من خلال التغطية الإخبارية و التحقيقات الصحفية ، ومن خلال إثارة قضايا معينة و مطالب تتبناها المنظمات الحقوقية ، علما بأن الإعلام يعد أهم الجسور بين المنظمات الحقوقية والرأي العام.
كما أن تعزيز حقوق الإنسان يقتضي ضمان حرية الرأي وحرية التعبير وحرية الإعلام، المعترف بها كجزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، وأن تتوافر لدى الصحفيين أكبر التسهيلات الممكنة للحصول على المعلومة كحق إنساني أساسي وضروري للتمتع بباقي الحقوق، كالحق في الرأي والتعبير والإخبار ، كما هو منصوص عليه في الدستور المغربي لسنة 2011 ، لأن الإعلام لن يستطيع أن يؤدي وظيفته في مجال حقوق الإنسان إلا إذا توافر له مناخ الحرية والاستقلال . تلك الحرية التي نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته التاسعة عـشرة كما يلي : (حرية الرأي والتعبير ويـشمل ذلك حرية اعتناق الآراء واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها).
حضرات السيدات و السادة ،
يتزايد عدد المهاجرين سنويا في العالم ، يهاجرون من بلدانهم لمجموعة من الأسباب المختلفة، بما فيها الفقر، وعدم القدرة على الوصول إلى الرعاية الصحية و التعليم و الغذاء و السكن، وبسبب التدهور البيئي والتغير المناخي، و التهجير القسري، على غرار الاضطهاد والنزاعات المسلحة .
وهؤلاء المهاجرون ، خاصة منهم الذين يعيشون أوضاعا غير نظامية ، يتعرضون أكثر من غيرهم ، لانتهاكات حقوق الإنسان ، كالتمييز والاستغلال والتهميش. و يمكن لهذه الانتهاكات أن تنطوي على حرمانهم من حقوقهم المدنية والسياسية، أو حرمانهم من حقوقهم الاقتصاديّة والاجتماعية والثقافية ، كالحرمان من الحق في الصحة والسكن والتعليم .
و نشير في هذا الصدد ، إلى أن المغرب تحول خلال السنوات الأخيرة، بالنسبة للمهاجرين من بلد العبور إلى بلد استقبال وإقامة ، مما جعله يضع سياسة جديدة يقودها جلالة الملك محمد السادس حفظه الله و أيده . ففي يوم 6 نونبر 2013، دعا جلالة الملك الحكومة إلى بلورة سياسة جديدة للهجرة، وفق مقاربة إنسانية تسمح بإدماج المهاجرين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء. وفي شتنبر من نفس السنة، اعتمد المغرب سياسة الهجرة الجديدة، والقاضية بمنح الإقامة القانونية للمهاجرين غير الشرعيين وطالبي اللجوء على أراضيه، لتصبح المملكة المغربية أول دول الجنوب التي تعتمد سياسة تضامنية حقيقية لاستقبال المهاجرين، من جنوب الصحراء وفق مقاربة إنسانية مندمجة تصون حقوقهم وتحفظ كرامتهم.
فبفضل السياسة الجديدة للهجرة التي دعا إليها جلالة الملك ، عملت السلطات المغربية على تسوية وضعية آلاف المهاجرين السريين، وغالبيتهم الساحقة من المهاجرين الأفارقة. ومن المتوقع أن يرتفع العدد خلال السنوات القادمة؛ إذ تمكنت هذه الفئة من الحصول على بطاقة الإقامة، فأصبحت تعيش بالمغرب بشكل قانوني، ومن الاستفادة من التعليم والتكوين المهني، ومن الحصول على الحق في العلاج في المستشفيات، والحق في السكن والعمل .
إن السياسة الجديدة للمغرب في مجال الهجرة بمثابة إستراتيجية إنسانية تهدف إلى تعزيز حماية حقوق المهاجرين واللاجئين بالمغرب، ما جعلها تحرز تنويها من لدن العديد من البلدان الإفريقية، التي أعربت عن دعمها وانخراطها الكامل في الدينامية التي أطلقها المغرب. كما حظيت بتقدير خاص من الاتحاد الأوروبي وقادة الأمم المتحدة (الأمين العام للأمم المتحدة والمفوضة السامية لحقوق الإنسان والمفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين).
كما أن هذه السياسة الرامية إلى تسوية وضعية المهاجرين الأفارقة الراغبين في الاستقرار بشكل نهائي في المغرب هي سياسة حكيمة ورائدة، تمت من خلالها مراعاة المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب، والاعتراف بشكل ضمني بأهمية المهاجرين في تطوير الاقتصاد الوطني، عبر اشتغالهم في مجموعة من المجالات الاقتصادية وانخراط البعض منهم في مشاريع استثمارية وترويج أموالهم بالمغرب.
و فيما يتعلق بعلاقة الإعلام بالهجرة ، نشير في هذا الصدد إلى هناك ترابط وثيق بينهما . فالمعالجة الإعلامية لقضايا الهجرة المبنية على الانحياز و التضخيم والتهويل من حجم الظاهرة ، تشكل خطرا على انسجام المجتمعات والتي أصبح فيها التنوع البشري والثقافي والديني حقيقة يومية لا محيد عنها.
فضلا عن بعض مظاهر التنميط التي تروجها بشكل منتظم وسائل الإعلام الدولية و هيمنة الصور النمطية السلبية على وسائل الإعلام ، و ربط الهجرة بمختلف الظواهر السلبية كالجريمة المنظمة والإرهاب ، و تقديمها كأزمة جيواستراتيجية جديدة وخطيرة، في حين أن الهجرة هي جزء من تاريخ البشرية، مما انعكس سلبا على وضع المهاجر وحقوقه.
لذلك ، ينبغي على وسائل الإعلام أن تكون أداة ديناميكية مؤثرة ومنتجة لقيمة مضافة بخصوص قضايا الهجرة، بعيدا عن كل تنميط وإثارة. كما نشدد بهذا الخصوص على تنمية قدرات مهنيي الإعلام، والإنتاج المنتظم للمعطيات المتعلقة بظاهرة الهجرة وكذا تشجيع البحث الأكاديمي حول الموضوع.
حضرات السيدات و السادة ،
شهد قطاع الاتصال ببلادنا خلال الفترة ما بين 1999 و2019 مجموعة من الإصلاحات القانونية والمؤسساتية بهدف تأهيل القطاع والنهوض به و رفع احتكار الدولة وإحداث الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري، وإصدار قانون الاتصال السمعي البصري، وإحداث إذاعات خاصة وقنوات تلفزية متخصصة.
و هذه الإصلاحات ، كانت ثمرة لإرادة سياسية قوية على أعلى مستوى ولمقاربة تشاركية لكافة المتدخلين توخت النهوض بهذا القطاع، و أنه تم في هذا الإطار اعتماد مقاربة تضم ثلاثة أهداف تتمثل في تطوير الإطار القانوني للفضاء الإعلامي، والسعي إلى تأهيل المقاولة الصحفية وتثمين مكانة الصحافة والصحافيين، والتنظيم الذاتي.
كما تم إصدار مدونة جديدة للصحافة والنشر ، حيث شكلت منظومة قوانين الصحافة والنشر أهم الأوراش التي اشتغل عليها قطاع الاتصال وفق مقاربة تشاركية سعت إلى مواكبة التحولات العميقة التي يشهدها المغرب في مجال الحريات وإلى ترجمة انشغالات واهتمامات المهنيين والفعاليات الحقوقية والمدنية بشأن ملاءمة التشريعات الوطنية الخاصة بقطاع الصحافة والنشر مع العهود والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
فضلا عن إحداث المجلس الوطني للصحافة باعتباره مرجعا أساسيا لتنظيم المهنة واحترام أخلاقياتها من خلال إجراء انتخاب ممثلي الصحافيين المهنيين وممثلي ناشري الصحف، مع الإشارة إلى أن هذا المجلس يهدف إلى تطوير الحكامة الذاتية لقطاع الصحافة والنشر بكيفية مستقلة وعلى أسس ديمقراطية وكذا الحرص على صيانة المبادئ التي يقوم عليها شرف المهنة وعلى التقيد بميثاق أخلاقيات المهنة والقوانين والأنظمة المتعلقة بمزاولتها.
وينبغي التأكيد في هذا الصدد إلى أن ورش الإصلاحات ببلادنا مستمر بفضل الإرادة الملكية لجلالة الملك و جهود الحكومة من أجل تطوير الإطار القانوني للفضاء الإعلامي ببلادنا وملاءمته مع المستجدات الدستورية للمملكة و المواثيق الدولية التي صادقت عليها.
حضرات السيدات و السادة ،
نغتنم هذه الفرصة لنعبر عن اعتزازنا بأداء المؤسسات الوطنية التي لها ارتباط بمجال الإعلام و الاتصال و التنظيمات المهنية الصحفية و جمعيات المجتمع المدني لدورها الفعال في ضمان حقوق الإنسان وحرياته السياسية والمدنية والثقافية بما فيها حرية التعبير عن الرأي.
و نجدد فخرنا واعتزازنا بما بلغته و سائل الإعلام المغربية من مستويات مهنية متقدمة وتطورات ملحوظة في أداء رسالتها وتنوع في برامجها وتأثيرها عبر مشاركتها الفاعلة في ترسيخ دولة القانون والمؤسسات ، في إطار من التعددية والانفتاح الثقافي والفكري، و تكريس حرية الإعلام وترسيخها وصون تعددية الإعلام وعصرنته باعتباره إحدى ركائز بناء المشروع لمجتمعي الديمقراطي الحداثي.
كما نعرب عن بالغ تقديرنا لرجال الإعلام كافة في تطوير قطاع الإعلام والاتصال بجميع قنواته، والارتقاء بالإعلام المرئي والمسموع ودوره في تناول القضايا الوطنية بصدق وأمانة ومسؤولية، والذود عن أمن الوطن واستقراره، وبث قيم الوحدة و التنوع و التسامح المستمدة من تاريخنا الإنساني وحضارتنا المغربية .
و نؤكد على أن احترام حقوق الصحفيين والمؤسسات الصحفية والإعلامية في حرية التعبير والنشر والطباعة والحصول على المعلومة وداولها في بيئة إعلامية حرة ومستقلة هو نهج استراتيجي ثابت للمملكة المغربية ، كما أن هذه الحقوق المكفولة تضع هذه المؤسسات وجميع أعضائها أمام واجباتهم المهنية والتزاماتهم الأخلاقية في حماية حقوق المجتمع وأمنه وتماسكه.
وكما جاء في الرسالة السامية لجلالة الملك الموجهة إلى أسرة الصحافة والإعلام بمناسبة اليوم الوطني للإعلام بتاريخ 15 نونبر 2002 : ” و عندما نقول الحرية، فلأنه لا سبيل لنهوض وتطور صحافة جيدة دون ممارسة لحرية التعبير. كما أن التأكيد على ملازمة المسؤولية للحرية مرده إلى اعتبار أنه لا يمكن للإعلام أن يكتسب المصداقية الضرورية وأن ينهض بالدور المنوط به ويتبوأ المكانة الجديرة به في حياتنا العامة ما لم تمارس هذه الحرية في نطاق المسؤولية “.
حضرات السيدات و السادة ،
قبل أن أختم ،يسعدني أن أجدد شكري للجهات المنظمة للندوة عن الدعوة للمساهمة في أشغالها، متمنيا أن تكلل بالنجاح و التوفيق ، و أن تأتي بآراء و أفكار و توصيات تسهم في إغناء الحقل الإعلامي و الحقوقي ، حالا و مستقبلا.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.