الدكتور عبد السلام فزازي: إشكالية التعليم و تداعيات كورونا، الواقع.. و الآفاق المستقبلية؟
إعداد سعيد الهياق//
أكيد أننا نعيش اليوم معضلة كبيرة جراء الحجر الصحي في ظل حالة الطوارئ. و من القطاعات الحيوية التي أضحت موضوع الساعة في كل وسائل الإعلام و محور الحديث في مواقع التواصل الاجتماعي، نجد قطاعي الصحة و التعليم. و حاولت وزراة التعليم خلق التعليم عن بعد لسد الفراغ.و في ظل هذا الوضع الدكتور والباحث الأكاديمي عبد السلام فزازي و الخبير في مجال البحوث الأكاديمية، في موضوع :
إشكالية التعليم و تداعيات كورونا، الواقع… و الآفاق المستقبلية؟
” حين نتكلم عن التعليم في العالم العربي أصلا فإننا سنتكلم عن إشكاليات أرهقت أجيالا وأجيالا متعاقبة؛ أما ونحن بصدد الكلام عنه في المغرب فتصبح الإشكالية أكثر تعويصا إلى درجت جعلت المغرب يصاحبها سنة بعد سنة بترميمات أرهقت الدولة وبالتالي التعليم الذي نكاد نتفق بالإجماع أنه يشبه الإنسان الذي لا يبرح غرفة الإنعاش رغم ما بذرته الدولة في خلق كل حكومة حكومة لجن خاصة أخذت من الميزانية الشيء الكثير والنتائج بقيت على حاله، ناهيك عن البرامج شبه المستوردة إن لم تكن بالفعل مستورة جملة وتفصيلا، ربما ألفنا على الاستهلاك عوض الإنتاج، وهذا ما أوصلنا إلى البرنامج المشئوم سموه ويا للعجب بالاستعجالي؛ بربكم هل سمعتم يوما معالجة شرايين الدولة وصورتها الحقيقية تعالج استعجاليا وكأن التعليم يشبه رجال المطافئ، سرعان ما يطفئون النار وبسرعة حتى لا تأتي على الأخضر واليابس علما أن التعليم هو الورد والمنهل لكل من يريد تنشئة الغد تنشئة قوية لمستقبل لم يعد يقبل بإنصاف الحلول.. وهكذا، عشنا هدر المال، وهدر نجاعة التعليم وتجويده، وبالتالي أصبحنا نفكر في الناشئة واليد على القلب.. وتوصلنا بالفعل إلى أن التعليم يشبه الرجل المريض بالتمام والكمال؛ ومع ذلك ما سمعنا يوما محاكمة لمن كان السبب ولا ما انفق في سبيله من قبل من سموهم خبراء في التعليم وجلهم بعيد كل البعد عن عالم الخبرة، يراكمون المال ويمطروننا بالتوصيات العجفاء، لتأتي لجن أخرى تنهب باسم الإصلاح وما هو بإصلاح..
أما الكلام عن إشكالية التعليم وتداعيات الكورونا؛ فشخصيا أعتبره كمن يبحث عن قطة سوداء في غرفة مظلمة ولا وجود للقطة تماما. كيف للتعليم الذي عاش تداعيات أغلقت الأفق أمام الخريجين، كما جعلت لا المدرسين ولا التلاميذ في حيرة ما بعدها حيرة وغيبت التداعيات التحفيز بل خلقت تمييزا لم تشهد له البلاد ميلادا إلا حين تغولت البورجوازية لتجعل التعليم العمومي في مهب الريح، لتنجب مدارس خصوصية رفعت الشعارات والخطوة إلى الوراء.. فكيف لهذا الجيل وبالضبط في زمن الكورونا أن نتكلم عن تعليم كان مصابا بالفالج ليصبح تعليما فقد كل ما كان قابلا للترميم؛ أكيد سمعنا وعشنا التغني بتطبيق التعليم عن بعد وكأننا كنا فعلا ربحنا رهان التعليم بالمباشر وكيف عن بعد وكأن الوطن فعلا يعتبر من الدول المتقدمة، يمكن أن يضاهيها تكنولوجيا ونحن نرى أن في ارويا الأسر تشتكي وهي تملك فعلا التكنولوجيا من عدم نجاعة هذا التعليم الذي ليس منا ولا نحن منه؛ تعليم يرمي إلى ما قاله الكفار” عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ يونس[22] نعم هكذا أصبحنا كما أصبح العالم المتقدم يتساءل كيف يمكن إنقاذ السنة الدراسية ولو بأقل الخسائر، بينما الخسارة يعرفها المتخصصون والفاعلين المباشرين للمتلقي؛ هذه أمور لا يمكن أن تحسم فيها أي وزارة بل الحاسم فيها رجال التعليم الذين كانوا يعيشون حيص بيص مع المتلقين بشكل مباشر فما بالك بالتعليم عن بعد.. نكتة لا يمكن تصديقها ونحن نعرف أو من أهل مكة وهم أدرى بشعابها، وما إدراك ما شعاب مكة.. بالأمس كنا نلقي دروسنا وجها لوجه مع تلامذتنا وطلبتنا وكنا نكاد نجن مما يضطرنا إلى محاولة اياصال المعلومة حتى بلغة ” الدارجة “لم نكن نتصور يوما أننا سنفسر بها ما استعصي على هؤلاء الأيتام في مأدوبات المتغيرات التعليمية التي أربكت حسابات رجل التعليم وهو ينتظر ما لم يكن يتصوره من التغيرات التي غالبا ما تكون استجابة شرطية لواقع مستورد، موزون بدقة على مناهج تتراوح بين الفركفونية تارة وتارة الأنجوساكسونية، والعاقبة ستراها وربما سنراها نحن مع الأجيال اللاحقة.. هل الكورونا لم تكن أن تعليمنا في جوهره إشكالية ليزورنا غير مرغوب فيه ويزيدنا بلة، بل وليفضح المستور؟ أكيد هناك من يتغنى بمستقبل مقيس على من هم ليسوا من أهل مكة الذين يعرفون شعابها، هم فقط وسطاء تماما مثل الذين سبقوهم وهم يهللون بسمو فنية الإصلاح؛ والغرابة كل الغرابة حين تجد المسئولين الصغار مجبرين على ترويج التفاؤل الذي لا يعدو أن يكون تفاؤلا أمريكيا في أزمة 1929 حيث خرج الرئيس هوفر ليعلن جهرة” اشتروا المجد إنه هناك في ركن الشارع” لكن سرعان ما تبين لهم أن التفاؤل كان وهما وتوهيما للناس.. لا يمكن للعالم أن يتكهن بأي مستقبل أمام جائحة غير مسبوقة والحال أنها كونية، فكيف بدول العالم الثالث أن تحسم في تشكل الحاضر والمستقبل وفاقد الشئ لا يعطيه.. فالواقع لا يمكن أن يكون شعاراتيا وتفاؤلا والعالم يعيش غرقا يوميا طلبه الوحيد هو مقاومة ما لم يكن احد ينتظره؛ ولا يمكن حتى أن نتكلم عن تشاؤم بالمطلق ما دمنا نعيش المخاض ونحاول ما استطعنا إليه سبيلا النجاة من الغرق.. لا يمكن لعاقل أن يثق بما يؤمر به المسئول في قطاع التعليم من زرع الأمل في الناس حتى ولو عبر المساحيق التي سرعان ما تذوب مع وقع الحرارة المفرطة.. كيف يمكن أن تصدق ما ينقل إلى الناس تباشير مبهمة لأنهم بالفعل يفكرون في مصير أبنائهم، بل يحاولون النجاة مرة أخرى من طامة أخرى في نفس القطاع.. وكيف يمكن أن يجتاز المستهدفون امتحانات والمقررات ليست هي ما يعتمده المتلقي بل التبسيط وإعادة التبسيط، وملأ الثغرات التي لا يمكن إلا للمدرس أن يطرزها بحمولته البيداغوجية الشخصية والتي تعطي أكلها عوض المفروضة على المدرس والمتلقي معا.. كيف يمكن أن أتكلم عن مستقبل ومعطيات الواقع تتولى الكلام؛ كم ممن لا حظ لهم من التكنولوجيا يتصلون بنا هاتفيا وهذا لا يتم إلا باعتلاء قمة جبل حتى يتمكنوا من الحصول على صبيب متقطع متسائلين عن المصير وعن عدم حصول على المقررات؛ بل منهم من يتساءل : هل فعلا السنة ستكون بيضاء، وهذه كوابيس يعيشها من نصيب لهم من التواصل.. ولنفرض جدلا أن السنة الدراسية مرت “بسلام” فأي تحصيل تم انجازه مقارنة مع من درسوا السنة كاملة؟ أكيد هي سنة استثنائية ليس عندنا فقط بل عند العالم؛ ترى هل تتصورون مستوى الخريجين هذه السنة وهم يلجون مدارس وجامعات ومؤسسات؛ هل الطبيب سيكون حقا طبيبا؟ والأستاذ أستاذا؟ والمهندس مهندسا؟ هذا يذكرنا جميعا بجيل الضياع وتلته أجيال أقصد جيل التلاميذ الذين درسوا المواد الرياضية بالعربية وعند ولوجهم الجامعات وجدوا أنفسهم يدرسون هذه المواد باللغة الفرنسية؛ فكان نصيبهم تطليق المؤسسات التي لم تنسق حتى فيما بينها وكان الضحية التلميذ والطالب على حد سواء..
علينا أن لا نتفاءل إلا حينما نجد أمامنا مؤشرات ثابتة للتفاؤل، أما وهي غائبة فأي مستقبل يمكن أن نتكهنه وجهنم الكورونا عرت كل شئ، ومع ذلك لا تثقوا فيمن يتكلم عن مستقبل أخرجوه من سم الخياط وعن طريق ” زوق اتبيع ” وقل ما أمرتك بك؛ وأشهر ما عندك من تقنيات ذر الرماد في عيون الآباء، وتفاخر عبر الإشهار لنقول لغيرنا ” قل موتوا بغيظكم..”. نحن فعلا نعيش سنة استثنائية لا احد يتحمل فيها مسؤولية الوباء، ولهذا علينا أن نعيش ما يعيشه العالم رغم التفاوت المفروض، وعلينا أن نعلن كما أعلنت بعض الدول أن النجاح حليف الجميع وهذا ضحك على الذقون، بل علينا أن نجاري الجائحة بتعقل وتبصر ونضحي ما استطعنا إليه سبيلا من أجل أبنائنا ولا نغلق الأبواب ولا نفتحها على مصراعيها؛ والى جانب هذا لنعترف أن المستقبل من حلال ما نعيش ليس بأيدينا بل هو رهين أولا وأخير بمحاربة الكورونا، ومن ثم التفكير في مصير جيل لا نقبل أن يكون معوقا لأن التحصيل فيه كان منعدما بشكل من الأشكال سيما ما يتعلق بطبيعة التخصصات.. وعلينا أن نتفادى بعض الدروس التي تصل إلى البعض وليس الجميع وهي مليئة بالأخطاء لأنها تكاد تكون مرتجلة وكان من باب أولى وأحرى أن تسجل وتنقح قبل بثها..
اطروحتي هذه ليست صادرة عن ذاتية موغلة في التشاؤم وهذا ما لا يقبله بعض المسئولين الذين يتلافون النقد ولا يعتبرونه مرآة يمكن أن يروا فيها وجوههم سيما حين يعودون إلى بيوتهم؛ ونحن نعرف أنهم مجبرين لا أبطالا وتلك ضريبة المسؤولية. وكما لا أريد أن أتغنى بمستقبل زاهر ونحن في مخاض مع التنزيل الجديد للإصلاح الذي لست ادري كيف يمكن التعامل معه في ذات السنة؛ وكيف لنا التغني بهذا المستقبل ونحن نعيش جائحة غريبة جعلتنا نفكر أولا في الحاضر أما المستقبل فعلمه عند الله.. وأتمنى لكل تلميذ وطالب ومدرس وكذا للوالدين تفهم واقع باغت الجميع، ولم يكن أحد يصوره بالمطلق.. وعلى الجميع تحمل وزر هذا الوباء دون الإشارة بالإصبع لأحد لأن ما يمكن فعله في العالم تم فعله حسب الإمكانيات المتوفرة، والإنسان فوق طاقته لا يلام، وكما على التلاميذ والطلبة محاولة بذل جهود شخصية لاستدراك ما فاتهم وهذا ليس صعبا كما قال علال الفاسي” كلما استسهلت صعبا نلت ألقابا علية…”
عبد السلام فزازي
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.