الدكتورة ثريا بن الشيخ: “صدمة التغيير، التعليم عن بعد..”

تقديم سعيد الهياق//
الدكتورة والباحثة الأكاديمية ثريا بن الشيخ في قراءة لإشكاليات التعليم عن بعد في ظل جائحة كورونا؛ الواقع و الآفاق المستقبلية…؟


الدكتورة ثريا بن الشيخ //

بحكم ضرورة استمرار الحياة تحت تفشي جائحة كورونا، وضرورة استمرار التعليم والتكوين، أصبح لزاما على الجميع مواجهة حقيقة عصر جديد، بما يمتلكه من أدوات كان توظيفها صدمة عاشها الجميع بما تنطوي عليه من حماس وتخوف. توقف العالم بأسره وهو يواجه واقعا جديدا على الجميع. وهو واقع تفرض مواجهته التسلح بتقنيات العصر وإن بعقليات متفاوتة القدرة على مسايرة ما تحمله من مستجدات وما ترتبط به من تفتح ومرونة وجرأة وقلق. لقد تنبهت سياسة المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين إلى ضرورة قراءة معطيات الواقع بعقلية جديدة وبمنهجية تستجيب لمختلف التقلبات التي تعرفها المواسم التكوينية. وكان لها السبق في تنويع التكوين ليشمل التكوين عن بعد بإعداد منصات خاصة بالتكوين يساهم فيها معظم أطر الإدارة المركزية وأساتذة مكونين وبعض ذوي الخبرة من المغاربة والأجانب. لذلك فإننا داخل المركز، ونظرا لعدة أحداث عاشها المغرب مؤخرا، قد أسسنا للوضعية مايلزم من دروس وتقنيات تمكننا من التواصل مع الطلبة الأساتذة بشكل يجعل المراقبة والمصاحبة في التكوين مستمرة برغم التوقفات التي تعرفها المواسم التكوينية.
المدرسة المغربية: لقد انخرط الأساتذة والمعلمون في مجال التكوين عن بعد بحماس كبير. وبرغم قلة الوسائل وغياب تكوين وتدريب ميدانيين، فإن العمل كان مستمرا وبجد ومثابرة. لقد شارك الأساتذة و الأطفال والتلاميذ والطلبة في التأسيس لمرحلة جديدة تنبئ بتحول جديد في العلاقات الإنسانية. وتستمد أهميتها من خلال مشاركة الأسرة في الإشراف على المرحلة وبما تيسر لها من قدرات وطاقات وموارد في تفاوتها تطرح عدة قضايا معرفية ومنهجية ولوجيستيكية لابد من أخذها بعين الاعتبار. أصبح التعليم يتطلب من الأسرة ضرورة مراقبة سير دراسة أبنائها عن بعد، وذلك بتوفير الأجهزة الذكية التي تمكنهم من التواصل مع مدرسيهم كما يتطلب من الوالدين التوفر على موارد معرفية تمكنهم من التتبع والتصحيح والمراقبة. ولا أحد ينكر ما تعرفه الأسر الفقيرة والمتوسطة من قلة الإمكانات المادية التي تمكنها من توفير حواسب وهواتف ذكية لأكثر من طفل واحد، وهي الوسيلة الوحيدة التي تضمن للأطفال استمرار التعليم عن بعد. لقد انخرط الجميع في هذه العملية – التكوين عن بعد- في ربطه بما تولد عن الجائحة من رعب وخوف وترقب انخراطا تاما وبدون إعداد مسبق، مما أكسب هذا الانخراط طابع الحماس والخوف والرغبة في الخروج من الأزمة بنجاح أو بأقل خسائر ممكنة. نعم، في غياب إعداد أو استعداد، وتحت تأثير صدمة واقع جديد، دخل العالم مرحلة جديدة لا تستند إلى تجربة أو نموذج سابقين. وما ساعد على التغلب على هذه المرحلة التي قد تمتد إلى نهاية السنة بالإضافة الى صدمة الوباء، تبني المجتمعات لأحدث تقنيات التواصل وما تقتضيه المرحلة من مرونة وتفتح على مستجدات العصر. لقد أصبح لزاما على الدولة الانخراط العملي في مرحلة جديدة تغيرت فيها معظم الثوابث السابقة، وذلك بتوفير الإمكانات المادية واللوجستيكية التي تمكن الجميع من المشاركة الفعلية في التأسيس لسياسة تعليمية جديدة تدمج جميع مؤسسات التنشئة الاجتماعية في مجال التربية والتعليم. فلايمكن للمدرسة وحدها القيام بجميع الأدوار التي تتعلق بتنشئة الأبناء إلا باستعادة الأسرة والبيت لدورها المركزي في ضمان استمرار القيم العليا واستنبات ما تفرضه طبيعة المرحلة من مستجدات قد لا تحقق ما خطط لها سابقا إلا بالحضور الفعال لدورو توجيه ووعي الأسر بمسؤولياتها الجديدة.
يجب أن نضع بعين الإعتبار أن التعليم عن بعد لم يكن وليد اللحظة. فهناك عدة معاهد و مدارس عالمية تعتمده ومنذ عدة عقود. إلا أن اعتماده اليوم في العالم بأسره وفي نفس الوقت كان وليد تداعيات وباء كوفيد 19؛ علما أن معظم دول العالم الثالث لا تتوفر على الإمكانات المادية التي تمكن جميع الأسر من توفير ما تستدعيه المرحلة من حواسب ألكترونية وهواتف ذكية. فمعظم الأسر تتوفر على عدد كبير من الأبناء الذين يلزمهم التوفر على أجهزة خاصة حتى يتمكنوا من استمرار التعليم في نفس الوقت. وهذا ما لا يتحقق إلا نادرا.
المدارس الخصوصية: أسوة بمدارس البعثات الأجنبية، نهجت السياسة التعليمية في بلادنا إمكانية الترخيص لمدارس خاصة يمكن اعتبارها امتدادا للمدارس الأجنبية وبديلا لها في نفس الوقت. بذلك انتشرت هذه المدارس والمعاهد، وعملت على تجويد خدماتها بشكل أدى إلى تهافت الأسر عليها بتسجيل أبنائها. ويعود هذا التهافت من طرف الآباء والأمهات إلى تدهور خدمات المدرسة العمومية وما عرفته من تدهور خاصة في العقود الأخيرة. لقد عرف المغرب في البداية هذا النوع من المدارس حلا لضمان استمرار التعليم لبعض التلاميذ الذين استنفذوا سنوات التدريس دون تقدم أو نجاح. ولا شك أن هذه المفارقة أصبحت اليوم إحدى المعضلات الكبرى التي يعرفها المجتمع. والواقع أن هذه المدارس عبارة عن شركات تسعى إلى استقطاب أكبر عدد ممكن من أبناء الأغنياء وأبناء الطبقات الوسطى. وبما أن مستوى التعليم قد عرف عدة تعثرات في المؤسسات العمومية، فقد أضحت هذه المدارس الحل الوحيد والاختيار الأنسب الذي تجد الأسر نفسها مضطرة للخضوع لشروطها والتي تركز بالدرجة الأولى على جني الأرباح. إن الأسر هي التي تتحمل كل نفقات هذه المدارس، من واجبات التعليم والتنقل والمطاعم كما تتحمل توفير كل ما يحتاجه سير هذه المدارس من أوراق ودفاتر وكتب مدرسية وأدوات ووسائل العمل. صحيح أن بعض هذه المدارس قد اكتسب سمعة طيبة من خلال عملها الجاد وتتبعها ومناهج تسييرها ( علما بأنها تتبنى النماذج الغربية – فاللغة الرسمية في هذه المدارس هي اللغة الفرنسية أو الإنجليزية ). إلا أن اللافت هو أن معظم هذه المدارس لا تتوفر على جمعيات أولياء التلاميذ، بل إنها تعمل على تكريس نفوذها بين الأسر وهي تحارب أي تكتل يجعلها في محاسبة أو احتجاج. وقد يؤدي طلب تأسيس هذه الجمعيات إلى طرد مسؤولي هذه المدارس لكل من سولت له نفسه السؤال عن غياب المراقبة التربوية التي تكسب هذه المدارس طابعا قانونيا لابد من توفره في أي مؤسسة تعليمية. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن التعليم قد استمر عن بعد في كل مؤسسات المملكة، بل إن دور المعلمين والأساتذة والمكونين أصبح يكتسي طابعا خاصا جدا، فكل واحد منهم يدرك المسؤولية الكبرى الملقاة على عاتقه في ضرورة القيام بالواجب الوطني على أكمل وجه للخروج من أزمة وباء حين نفشى، تداعت له سائر مكونات المجتمع الإنساني بالتسلح باحدث التقنيات وأكثرها قدرة على تجنب أي اكتظاظ أو تكتل من شأنه نشر الوباء بين أكثر الفئات هشاشة وهم الأطفال.
إننا اليوم نعيش صدمة التأسيس لمرحلة جديدة قائمة على الوضوح والمكاشفة، وهي مرحلة عالمية جعلت جميع بلدان العالم تلتجىء إلى نفس الحلول قصد تحقيق نفس الأهداف، وهي حماية المجتمعات وتوفير سبل العيش الكريم لشعوبها. ويعود الفضل في إنجاح هذه المرحلة لأطر البلاد من رجال الأمن والعمال والأطباء والأساتذة وللأسر التي استعادت دورها الأول في احتضان الأبناء وتوجيههم توجيها سليما يضمن لهم الصحة والسلامة والنجاح دون مغادرة البيوت. لقد أصبحت السياسة التعليمية في مواجهة وضع جديد غير مسبق، ويتعين عليها التركيز على توحيد جهودها للتاسيس لمرحلة جديدة يصبح معها التعليم والأمن والتطبيب من أولويات السياسة التي تقيم عليها الشعوب توازناتها الكبرى.


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading