الحنين للطفولة … حين تصير بركة ” بولجير” مكانا للذاكرة
بقلم ذ. الفنان عمر أيت سعيد//
بركة صغيرة ،تشبه سدا صغيرا في قلب واد دادس الرقراق ، إنها بركة ”بولجير ” هي مكان الذاكرة الطفولية كلما مررنا على ”بولجير” نحس أنه يعرفنا حق المعرفة ،يعرف تفاصيل حياتنا ، لسنا في حاجة الى التباهي أو التفاخر عليه فهو يشبه شيخا معلما علمنا كل شيء .
في طفولتنا اعتدنا المكوث في هذه البركة العميقة بأسرارها بدء باسمها التي تخفي وراء اسمها حكاية وأسطورة بولجير، إد يحكى أن احدى القبائل كانت تهدد القبيلة التي تستعمل هذا السد الصغير لسقي الحقول الغناء ،فقامت ببنائه باستعمال الجير لكي يصعد الماء بشكل كثير ويسقط القصور الطينية التي لاشك أنها لن تصمد كثيرا أمام الماء الكثير…لكن أحد الأبطال قام بإنقاذ القبيلة من قوة الماء حيت قصد السد وأخرج الجير ونقص من قوة الماء، فأصبح ذلك البطل فارسا من فرسان تلك القبيلة . هكذا تحدثنا الاسطورة …لكن ما يهمني في هذه الحكاية هو بقاء اسم بولجير راسخا في الذاكرة الجماعية حيت أن البركة المائية كانت ستسسبب في دفن القصور لكنها تحولت بقوة قادر الى مدرسة واقعية طبيعية لتعليم السباحة للأطفال .
كنا أطفالا صغارا ،كانت الحقول كالمطابخ أو كالأم تعد الأطعمة بأصنافها ، لم نكن في حاجة لمنازلنا ، نأكل في الحقول بكل أمان وطبيعة سكان دادس طبيعة متسامحة، حيت كنا نكتفي بأكل العنب والخوخ واللوز والتين وبعض الطماطم إن وجد وبعدها نبقى ساعات وساعات نسبح في الماء. أحيانا نلبس ملابس للسباحة إن وجدت وإن لم تكن متوفرة نسبح عراة حفاة دونها ، فعالم الطفولة تسمه البراءة والبساطة ، ليس منا ولا فينا من يتصيد عيوب الأخرين وليس منا ولا فينا من ينظر الى عورات الأخرين . ولكل ميدان بطل ، هكذا شأن البركة ، بينما كنت متوسطا جدا في السباحة نجد هناك بطل خارق يسمى ”الدحداح ” ومن لا يعرفه من جيلي فهو يعلم كيف يطوي المسافات في الماء طيا ويسبح بانسيابية فهو المرجع والمنقذ للكثير من الحلات من الاطفال الذين كاد الماء والغرق يؤدي بحياتهم أنداك .
أطفال كالزهور وبركة كالمعلمة ، تعلمك كيف تواجه دوامة الماء ، مثل دوامة الحياة ، تعلمك من أول وهلة كيف تنسجم مع حرارة الماء ، وكأنها تود ان تخبرك أنك ستدخل الى عالم الماء تتبدل الموازين وتتغير الجاذبية .
تتعلم إذن كدرس أول كيف تتجاوز ”الدهشة والقشعريرة ” ”تيساس ” ثم تتعلم الحركات الأولى للسباحة التي قد لا تشبه السباحة الاحترافية على الشواطئ كنا نسميها ” الدردوس ” ربما نسبة الى الصوت الذي يسمع حينما نقوم بتلك الحركة العجيبة كي نتفادى الغرق في الماء . حينما تكون متمكنا من تقنية ” الدردوس ” تصبح قادرا على المكوث فوق الماء لمدة أطول ، وتنتقل الى تقنية اخرى أكثر صعوبة وهي السباحة على الظهر والخاصة بالمحترفين…الماء الذي يسري في هذه البركة يوحي بانفلات الوقت والزمن كلما زرنا هذا المكان إلا وتنتابنا الذكريات الجميلة العريقة التي يصعب التعبير عن جماليتها بالكلمات فقط.
ذكريات تمزج السباحة واللعبة والمتعة والحركة الدؤوبة في قالب واحد الطفولة ”تمزيت ” ولن ننسى تلك التسميات والرموز التي كنا ننقشها نقشا على تلك الأشجار الشامخة المحاذية للبركة المائية ”بولجير” . كل يكتب على حسب شغفه وميولاته ،وكم كتبنا من رموز التيفناغ على تلك الأشجار ”حرف الزاي الأمازيغية ” نكتبها باستمرار خوفا من سطو الثقافات الوافدة على لغتنا ، نكتب أسماء عشيقاتنا أنداك مرات ومرات خوفا من ضياع حب لم يولد بعد . نكتب أسماءنا مرات تلو الأخرى إذ كنا لا نتقن سواها . نكتب لأن الكتابة خلود ولأن الأشجار كالأمهات لن تتنكر أبدا للمساتنا وحروفنا .
بولجير ماكن للذاكرة ، يعرفنا ونعرفه نزوره مرات ومرات لنتصالح مع الطفولة التي تركتنا بدون رحمة ،تلك الطفولة الطاهرة التي كانت الحياة تدب في كل تفاصيلها ، بو لجير يا سادة هو المدرسة و الحياة والحلم الجميل الذي يراودنا من حين الى حين .
الفنان عمر ايت سعيد
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.