ذكرياتي مع المرحوم أحمد الدغرني
يعود أول لقاء لي بالأستاذ أحمد الدغرني إلى سنة 1992 في بهو بلدية أكادير على هامش ندوة نظمها فرع تاماينوت (الجمعية الجديدة للثقافة والفنون الشعبية” بهذه المدينة بمشاركة كل من حسن ادبلقاسم ومبارك بولكيد والحسين واعزي وأحمد عصيد. كانت القاعة غاصة بالحضور كما هو حال كل الندوات في موضوع الأمازيغية خلال عشرية 1990-2000. كنت ضمن الشباب المشرف على معرض الكتاب الموازي للندوة. وفجأة يأتي شخص طويل القامة، أبيض البشرة وهندام أنيق وأثارني شعره الكثيف ذو اللون الأبيض، رغم أنه لم يبلغ من العمر عتيا. تصفح بعض الكتب وبدأ يطرح علينا بعض الأسئلة، بعضها مستفزا، في شكل امتحان لاختبار معارفنا في الموضوع. كنا نجيب حسب معارفنا المحدودة جدا و حين يصر على “استفزازنا” معرفيا لا تخلوا أجوبتنا حماسة وإن كانت غير مبنية معرفيا. إكتشفنا فيما بعد أنه الأستاذ أحمد الدغرني، المحام بالرباط وأحد كوادر جمعيتنا.
استمرت العلاقة فيما بعد طوال عشرية التسعينات خاصة في لقاءات المجالس الوطنية للجمعية والندوات الثقافية وفي المقر المركزي بدرب كسوس-باب لحد بالرباط، كما كان مكتبه مقصدنا خلال كل زيارة للرباط، حيت الترحيب والتشجيع لا يفارقانه، ولذلك كان قريبا جدا من الشباب فكريا من خلال طروحاته ومواقفه، وإنسانيا من خلال دعمه وتفهمه لوضعيتهم الإجتماعية. فكان خير معين لهم، وهم القادمين من مناطق بعيدة، في انتظار اندماجهم المهني في الرباط. حين طرح زميله في المهنة والنضال حسن إدبلقاسم ورقته المعروفة ب”العمل بجناحين” ثقافي وسياسي سنة 1996، أجاب المرحوم بجملة أصبحت شبه نكتة بين المناضلين بقوله “يحتاج هذان الجناحان لذيل لكي تتمكن من الطيران”. وربما كان يقصد بذلك ضرورة التفكير بشكل واضح في تأسيس “حزب سياسي أمازيغي”.
بعد صدور “البيان الأمازيغي” سنة 2000 ورغبة في المشاركة في لقاء بوزنيقة الثاني، توجهنا، رفقة مجموعة من الأصدقاء إلى مكتب ذ.الدغرني، قبل التوجه لبوزنيقة. رحب بنا كعادته رغم انهماكه في جمع مستلزمات اللقاء، ولم يكن يعلم بالمنع. ضحكنا قليلا حين تحدثنا عن دواعي تسليمه لنص “البيان الأمازيغي” للناطق الرسمي باسم القصر الملكي آنذاك ذون علم المشرفين على البيان فأجاب ضاحكا “يجب مخاطبة الملك مباشرة، فبيده القرار، أما حكومة التناوب فلا تستطيع القيام بأي شيء للأمازيغية”. توجهنا لبوزنيقة، وكلما اقتربنا أحسسنا بأن أمورا غير عادية تقع، خاصة مع كثرة الحواجز الأمنية وظهور بواذر طوق أمني.
بدأ الحديث عن منع لقاء بوزنيقة. اضطررنا للهبوط بعيدا والسير على الأقدام للإلتحاق بالمجتمعين في شكل حلقية في غابة محادية لمكان اللقاء وبدأ النقاش عن ردود الأفعال الممكنة. لا أحد كان ينتظر المنع خاصة وأن اللقاء الأول مر في ظروف عادية. فجأة جاء الخبر بمنع اللقاء وأن الأستاذ محمد شفيق يدعوا الجميع لبيته (فيلا) بطريق زعير لعقد الاجتماع. اختلف الحضور بين من قبل الدعوة ومن رفضها وكان المرحوم الدغرني من الرافضين والمصرين على عقد الاجتماع ولو في الهواء الطلق. لكن التوجه العام قبل التوجه لمنزل شفيق وعقد اللقاء ثم أخد الموضوع المسار الذي يعرفه الجميع.
خلال مناقشتي المرحوم في موضوع “الحزب السياسي الأمازيغي” أجابني ذات يوم بأن كل الذين يحملون هذا المشروع عليهم أن ينصتوا يوما ما للباحثين في مختلف العلوم ليستفيذوا من تحاليلهم وقراءاتهم، لأن حامل المشروع ينظر إليه من الداخل، ويحتاج من حين لآخر لنظرة من الخارج.
يقدم المرحوم الدغرني مسارا من نوع آخر في مسارات المدافعين عن الأمازيغية في المغرب، حيث يضع القضية في إطارها الشمولي وأبعادها المعقدة حيث يتداخل السياسي بالاقتصادي والمحلي والجهوي بالوطني والدولي، كما تحضر المطالب الأمازيغية في قلب تنافس الكتل المجتمعية وحتى الانتماءات “الإثنية”، كما أن احتكاكه بالعائلات الكبرى بالمركز ذون نسيان أصوله، وتجربته السياسية في اليسار المغربي ومعرفته بكواليس العمل السياسي المغربي واستراتيجيات العاملين فيه، جعلته يؤسس لنظرة خاصة لموضوع الأمازيغية، تؤسس في العمق لمشروع سياسي كبير يجعل المغرب هوالمركز وهو الفاعل والمؤثر في محيطه، وليس تابعا.
فهل يمكن الحديث اليوم عن : سوء الفهم الكبير لأحمد الدغرني.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.