تمهيد:
الفلاحة التصديرية بسوس تطرح أكثر من علامة استفهام حول مآلها في ظل الوضعية الحالية والظروف الصعبة التي تعيشها سواء على مستوى المنافسة التي تعرفها بالخارج أو على مستوى تدني الأثمنة وقلة الطلب عليها بالأسواق العالمية أو على مستوى ندرة المياه بسبب الإفراط غير المعقلن لإستغلال المياه الجوفية، وارتفاع تكاليف الإنتاج وكثرة المصاريف المختلفة وتراكم الديون والقروض البنكية التي أثقلت كاهل الفلاحين المنتجين.
فضلا عن تأخر البحث العلمي في ايجاد بديل للمبيدات، والصعوبات التي تكتنف الأسواق الإفريقية الجديدة من حيث ارتفاع التعشير الجمركي وغياب الضمانات المالية وانعدام التجهيزات وغيرها من الإشكالات التي تعاني منها الفلاحة المغربية والتي حملناها في شكل أسئلة وجهناها إلى رئيس الفدرالية البيمهنية المغربية للخضر والفواكه المصدرة ورئيس الجمعية المغربية للمنتجين والمنتجين المصدرين للفواكه والخضر“أبفيل” الحسين أضرضور.
أجرى الحوار: عبداللطيف الكامل
– س : ما هو تقييمكم للموسم الفلاحي الحالي بسوس؟
ج:الموسم الفلاحي الحالي يتميز ببطء كبير بسبب تداعيات نتائج السنة الماضية التي لم تكن مشجعة ومرضية لعدد من الفلاحين المنتجين بحيث لم تكن المردودية بصفة عامة في المستوى المطلوب نظرا لعدة إكراهات من أبرزها: كثرة المصاريف وغلاء تكلفة الإنتاج،وندرة المياه الجوفية التي عرفت في السنوات الأخيرة تقلصا ملحوظا مما أثر سلبا على بعض المنتوجات الفلاحية التي أصبحت قليلة في السوق الداخلية والخارجية.
فبالنسبة للطماطم تعتبر سوس الممول الرئيسي للسوق الداخلية، نجد الفلاحين خلال هذا الموسم قد قلصوا من الإنتاج في الصنف الكبير الممتاز بسبب قلة الطلب عليه في الأسواق الخارجية، بينما عرفت الطماطم الصغيرة زيادة في الغرس بنسبة 10 في المائة لكن مع ذلك لا ننتظر أن تكون هناك وفرة في المستقبل، بحيث لن يتشجع الفلاحون على المضي في إنتاجها مستقبلا إذا ما بقي الطلب عليها قليلا في الأسواق الخارجية.
س- تحدثتم عن الإكراهات التي حالت دون الزيادة في الغرس والإنتاج،نريد المزيد من التوضيحات ؟
ج- هناك طبعا كثرة المصاريف التي أصبح الفلاحون المنتجون والمصدرون يعانون منها، وخاصة الزيادة في ضرائب القيمة المضافة على بعض المواد المستوردة من البذور والأسمدة والمعدات الفلاحية والمبيدات.
زيادة على غلاء تكلفة الطاقة، والزيادة في أجور العمال،وظرفية الجفاف نتيجة قلة التساقطات المطرية التي لم تشجع الفلاحين المنتجين على الزيادة في الغرس والإنتاج،إضافة إلى قلة الطلب على المنتوج الفلاحي المغربي بالأسواق الخارجية بسبب ما يعرفه حاليا من منافسة شديدة من قبل المنتوجات الفلاحية الأخرى لدول مصدرة للخضراوات والفواكه.
فقلة الطلب على المنتوجات الفلاحية المغربية وقلة الأثمنة في الأسواق الخارجية مقارنة مع السنوات السابقة، من الأسباب الحقيقية التي لم تحفز الفلاح المنتج والمصدر والملفف على مواكبة هذه الأسواق، ولربما السبب يرجع أيضا إلى عامل التغيرات المناخية التي ستدفع بعض الدول الأروبية إلى الإستغناء عن استيراد الحوامض المغربية مستقبلا إذا ما تمكنت من غرس أشجار الليمون بعدما أصبح مناخها في ظل هذه التغيرات مشابها لمناخ المغرب، فحسب ما وصلنا من معلومات أنها بدأت تغرس أشجار الليمون.
وعموما فالخضروات الأخرى مثل اللوبيا والقرعة فالفلاحون المنتجون غير مطمئنين على الزيادة في الإنتاج بسبب وفرة المنتوجات الفلاحية بالأسواق الخارجية وبسبب تدني الأثمنة بها، وهي كلها عوامل غير مشجعة على الإطلاق للفلاح المغربي ما لم تتدخل الدولة لإعادة النظر في بعض الرسوم والضرائب المفروضة على الصادرات المغربية وخاصة على بعض المواد المستوردة من الخارج.
ولهذا سيكون الموسم، حسب المؤشرات التي نتوفر عليها كمنتجين ومصدرين وملففين،موسما ضعيفا بالمقارنة مع السنوات الماضية ونتمنى أن تتحسن الأسواق الخارجية لكي تشجع الفلاحين، على الأقل، على الإستمرار في الإنتاج لتغطية الخسارة المالية التي تكبدوها في الموسم الماضي.
س- أمام هذه الإكراهات والتحديات هل راسلتهم الحكومة المغربية وماذا كانت إجراءاتها هل بقيت مكتوفة الأيدي حيال ما تعاني منه الفلاحة المغربية؟
ج- الحكومة بصفة عامة ووزارة الفلاحة بصفة خاصة تبذلان مجهودات لإيجاد علاج للمشاكل التي تتخبط فيها الفلاحة التصديرية، لكن مع ذلك يتسم تدخلهما ببطء أيضا لأنه لم نملس إلى حد الآن أية مبادرة محفزة لدعم الفلاحين المنتجين المزودين للسوق الداخلية والمصدرين للسوق الخارجية.
بحيث لم نفهم إلى حد الآن من فرض بعض الرسوم على بعض المعدات واللوازم المستوردة من الخارج، لذلك يتساءل كافة الفلاحين المنتجين والمصدرين لماذا تم تطبيق هذه الرسوم في هذه الظرفية القاسية (الجفاف، ندرة المياه، قلة الطلب وقلة الثمن في الأسواق الخارجية،المنافسة الشديدة التي تعرفها المنتوجات الفلاحية المغربية)؟.
وزاد استغرابنا لما فوجئنا بلائحة جديدة تضم رسوما وضرائب عن العديد من اللوازم والمعدات والآليات الفلاحية التي طبقت عليها القيمة المضافة مع أن هناك ظهيرا شريفا صدر منذ سنوات،وقام بإعفاء هذه الآليات والأسمدة من الرسوم الجمركية، ولذلك شكل لنا هذا الموضوع عقبة حقيقية دفعتنا إلى مساءلة جميع الوزارات المعنية لكن للأسف لم تجبنا أية وزارة.
زيادة على أن الفلاحين اليوم يعانون في هذه الظرفية الصعبة، مما يسمى بالمراقبة والمراجعة الضريبية، فالكل خضع لهذه المراجعة وبأثر رجعي محدد في أربع سنوات، وبالتالي فالفلاح المنتج والمصدر والملفف وجد نفسه مطوقا بعدة مصاريف وديون وقروض وضرائب…ومن ثمة فهو لا يستطيع مواصلة الإستثمار في هذا القطاع لأنه سيكون مهددا بالتوقف في أية لحظة ما لم تتدخل الحكومة في أسرع وقت لمساعدته ودعمه والمساهمة في حل جميع مشاكل القطاع العالقة.
وبالنسبة للفلاحين الصغار الذين لم يشملهم بعد هذا النظام الضريبي المفروض على الفلاحين الكبار،فمن المؤكد إذا بقيت الدولة تعاني من ضغوطات مالية فإن خزينة الدولة ستضطر إلى مداخيل إضافية عبر توسيع الوعاء الضريبي من خلال فرض جبايات أخرى على الفلاحين الصغار.
لكن ينبغي أن نوضح للرأي العام فنحن لانطلب الإعفاء النهائي من الضريبة لكن نلتمس من المديرية العامة أن تتعامل مع الفلاحة المغربية وخاصة التصديرية بنوع من الليونة من خلال اعتماد جدولة زمنية للتسديد تكون مناسبة ومراعية للظرفية الصعبة التي يمر منها القطاع.
ومن جهة أخرى إننا كفلاحين منتجين ومصدرين وملففين نلوم البرلمانيين لعدم دعمهم الواضح لنا ولو بإثارة أسئلة كتابية وشفوية عن الإشكالات الكبرى التي يعانيها القطاع الفلاحي،لأن المشكل أضحى أكبر مما نتصوره،ولهذا علينا جميعا حكومة ووزارة وبرلمان ومهنيين تطويق كافة المشاكل قبل أن يصل القطاع إلى لحظة حرجة لا قدرالله.
لأنه إذا بقيت هذه الأوضاع على حالها دون تدخل فمن المؤكد أن المستثمرين في القطاع لن يستمروا في هذه المهنة،لذلك على المؤسسات البنكية أن تأخذ هذه الظرفية بعين الإعتبار، بالرغم من كونها تبذل مجهودات مهمة لكن غير كافية، فالقطاع كان يساهم في ضخ أموال مهمة من العملة الصعبة في السنوات السابقة، وذلك قبل أن تدهور الوضعية .
ولهذا نسجل أن المؤسسات البنكية لم تأخذ هذه الظرفية الصعبة التي يعيشها الفلاحون المنتجون والمصدرون بعين الإعتبار، بالرغم من تدخلات الولاة وعمال الأقاليم،لحث هذه المؤسسات على التعامل مع القطاع بسلاسة وليونة في تسديد الديون المتراكمة على الفلاحين المنتجين والتي أدت ببعضهم إلى الإفلاس النهائي.
س- ما هو المتنفس الوحيد في نظركم لتخفيف الضغط على القطاع الفلاحي وتخفيف المصاريف وتكلفة الإنتاج؟
ج – المتنفس المنتظر، والذي سيضمن الإستقرار للفلاحة بسوس هو الإسراع في إنجاز مشروع تحلية البحر، وأستغل هذا المنبر الإعلامي لأشكر،نيابة عن كافة الفلاحين المنتجين والمصدرين والملففين،وزارة الفلاحة ووزارة المالية بشكل خاص والحكومة المغربية بشكل عام،لدعمها لهذا المشروع الذي انبثقت فكرته من اقتراح للفيدرالية المغربية البيمهنية للخضر والفواكه وجمعية أبفيل،ولهذا وحسب البلاغ الرسمي،سيبدأ العمل بهذا المشروع في يناير2021.
بحيث يضمن السقي لحوالي 10آلاف هكتار بإقليم اشتوكة أيت باها(من جماعة ماسة إلى جماعة واد الصفا وإحشاش وسيدي بيبي)وهي المنطقة التي تتمركز فيها حاليا الفلاحة المسقية داخل البيوت المغطاة، ويمكن أن تضاف إليها مساحات أخرى حسب الإمكانات المتاحة.
وإجمالا فمشروع تحلية البحر سيوفر يوميا حوالي 400 ألف متر مكعب من الماء المصفى (250 ألف متر مكعب للشرب و150ألف متر مكعب للسقي الفلاحي)والمياه المصفاة الخاصة بالسقي موجهة تحديدا إلى المنتوجات الفلاحية العالية القيمة، وتم تحدد تسعيرة المتر المكعب من السقي في 5 دراهم فهذا المبلغ في حد ذاته كثير جدا ونأمل أن يتم تقليصه في المستقبل.
أما مساهمة كل من الفيدرالية البيمهنية وجمعية أبفيل، فتكمن في تحسيس وتوعية الفلاحين بأهمية الإنخراط في هذا المشروع ومساعدة الشركة المكلفة به لإتمام إنجازها، ونحن كمهنيين نراهن عليه كثيرا لحل مشكلة ندرة مياه السقي،وضمان التوازن بين المياه المصفاة والمياه الجوفية،لإنعاش الفرشة المائية المهددة حاليا بالنضوب بسهل اشتوكة مثلما نضبت بمنطقة الكردان منذ سنوات.
ومن جهة أخرى فالفلاحون الكبار مجبرون على استعمال المياه المصفاة في السقي بينما الفلاحون الصغار سيسقون بالمياه الجوفية لكن وفق قانون من المرتقب أن يخرج في الأيام القادة لتحديد كيفية التعامل واستغلال المياه الجوفية .
س – بالنسبة لمشكل قلة الطلب عن المنتوجات الفلاحية المغربية وتدني الأثمنة بالأسواق الأوربية والروسية ألا تفكرون في توجيه منتوجاتكم إلى أسواق أخرى كالسوق الإفريقية مثلا وخاصة بدول جنوب الصحراء الكبرى؟
ج – الفلاحون المنتجون والمصدرون والملففون يحضرون باستمرار في المعارض الفلاحية الدولية بأوربا وروسيا وكندا وغيرها للبحث عن موردين للخضراوات المغربية وفواكهها،ولذلك فهم يبحثون دوما عن الأسواق الخارجية،ومن عادتنا أن الحوامض المغربية تكون دوما قنطرة للخضراوات ولهذا تم الإتجاه منذ سنتين إلى أسواق جديدة إلى دول إفريقيا الغربية،بحيث خطت الحوامض خطوة مهمة.
لكن مع ذلك وجد الفلاحون المصدرون المغاربة تعاملا آخر مع هذه الأسواق يختلف تماما عما ألفوه في الأسواق الأوربية،حيث واجهتهم صعوبات عديدة في ولوج هذه الأسواق،علما أنهم اتخذوا هذه المبادرة من تلقاء أنفسهم أي بشكل غير رسمي لتمويل وتزويد أسواق قارة بموريتانيا والسنيغال وساح العاج وغيرها.
لهذا ينتظر الفلاحون المنتجون والمصدرون والملففون من الحكومة المغربية دعمهم سياسيا لإنجاح هذه المبادرة من جهة وحل جميع المشاكل التي تعترض الصادرات المغربية من جهة ثانية،علما أن هناك عراقيل لابد من حلها من أبرزها الرسوم الجمركية المرتفعة التي تفرضها جمارك السنيغال على الحوامض والخضراوات حيث تؤدي الشاحنة المغربية الواحدة إجمالا 120 ألف درهم للجمارك الموريتانية والسنيغالية.
زيادة على انعدام أسواق مجهزة وانعدام البنية التحتية بهذه الدول،وهذا دفع المغرب إلى إحداث مستودعات للتخزين بكل من ساح العاج والسنيغال في انتظار إحداث مستودعات أخرى بالنيجر وبوركينا فاصو…
وحل المشكل العملة المصرفية وتأمينها لأن ليس هناك ضمانات واضحة للمصدرين المغاربة بهذه الأسواق المغربية خلافا لما هو معمول به بأروبا حيث توجد مؤسسات التأمين لحماية الأموال و المنتوج الفلاحي في آن واحد،فغياب هذه الضمانات بالأسواق الإفريقية هو ما جعل عددا من المصدرين المغاربة يفقدون أموالهم ببعض الأسواق.
كلمة ختامية: أريد أن أؤكد مرة أخرى أن المستقبل لهذا القطاع الفلاحي باعتباره أحد ركائز الإقتصادي الوطني المشغل للأيدي العاملة والمنشط للحياة التجارية والمدر لخزينة الدولة من العملة الصعبة.
وتعد منطقة سوس إحدى المناطق المغربية الغنية بالمنتوجات المحلية حيث تزود السوق الداخلية والخارجية بما يقارب 60 في المائة من الخضر والحوامض، لذلك على الدولة عامة ووزارة الفلاحة خاصة إيلاء هذه المنطقة أهمية بالإسراع في حل كل المشاكل التي تعاني منها وخاصة مشكل قلة المياه الجوفية.
والسهر أيضا على تنزيل وتنفيذ برنامج محاربة المبيدات الذي ننتظر تطبيقه من خلال البدء في البحث العلمي المكثف من أجل إنتاج الحشرات التي ستعفي الفلاحين المنتجين من استعمال المبيدات،ونقصد بالبحث العلمي ليس المراقبة والمتابعة كما اعتدنا منذ سنوات،بل البحث العلمي الجاد والمعمق لخلق حشرات تقضي على تلك الضارة التي تهدد المنتوج من الخضراوات، أي خلق حشرة على شكل تلك التي خلقها البحث العلمي مؤخرا لحماية أشجار الليمون والحوامض.
فالإنتاج بدون مبيدات هو رهاننا اليوم نعول عليه لتطوير إنتاجنا الفلاحي من جهة والرفع من قيمته في الأسواق العالمية،لجعله قادرا على المنافسة الشديد التي يعرفها هذا القطاع من قبل دول فلاحية مصدرة مثل تركيا ومصر وإسرائيل في الحوامض والخضر و إسبانيا(في الطماطم).
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.