الثقافة والصراع الثقافي ..  

الغازي لكبير *

الصراع ظاهرة طبيعية تولد، نتيجة تفاعل المكونات، من رحم كل جسم حي. هو صيرورة قد تطول مدة ظهور نتائجه و قد تقصر حسب شدة تأثير و تأثر العناصر المتفاعلة و ظروف البيئة. حصيلته في كل مرحلة، تبدل و تحول.  يكون في بعض الأحيان ملحوظا و في كثير منها ضمنيا. فالتطور و التخلف، و التقدم والتقهقر،  و النمو و الانتكاس و التكتل و التفرق … في المجتمع خلاصات صراع. جميع  إفرازات هذا الأخير، هي بمثابة ثمار ظاهرة النزاع.  و يأخذ الصراع صفة الايجابي أو السلبي وفق الخلاصات التي يفضى إليها.

في هذا السياق، فإن الملاحظ للشأن الثقافي في بلادنا، بالرغم من وجود مؤسسات  رسمية و غير رسمية تعنى به،  يشاهد نوعا من التصدع و الانفكاك  يميل إلى الفوضوية و التبعثر. و كأن هذه المؤسسات لا دور لها في ترنيب بيتها الداخلي.

وحينما نتساءل عن الأسباب التي جعلته ( الشأن الثقافي) يصير على هذا الشكل، نجد من بين العوامل المؤثرة بشكل كبير و المساهمة بقوة في إعطابه، ما يتصل بالصراع بين الفاعلين الثقافيين أنفسهم. و لأن النتائج التي آلت إليها حصيلة الصراع غير آمنة في مجملها،  يمكننا نعته بالسلبي و المضر و المعرقل لكل تقدم أو ارتقاء.

و لما ننظر إلى دواعي و دوافع الخلاف بين المثقفين، نكتشف أنها لا تتصل بالثقافة و لا ترتبط بها. فمن بين جوانب صراع  أنتيلجانسيا المغرب  نجد ما له علاقة بمشارب المثقف نفسه  و ما يستميله من اهتمامات غير ثقافية تنتسب إلى حقول تجاور الثقافة ، بحيث أنه يتم نقل الخلاف القائم من نطاق شخصي أو مجال سياسي أو نقابي إلى ميدان الثقافة حيث يأخذ لون الثقافة دون أن يغير ماهيته و حقيقة مضمونه.

صحيح أن الحدود بين هذه المجالات تتداخل و يصعب بل يستحيل الفصل بينها،  و لكنه في المقابل لا يمكن الخلط بين هذه الميادين إلى درجة الإدماج. فكما هو معلوم، لكل مجال سمته و مميزاته. لكن الصراعات القائمة بين الفاعلين في الميدان الثقافي تطرح أكثر من سؤال.

هل خرج المثقفون من مجال الثقافة للاهتمام بأمور غير ثقافية  و شغلتهم بذلك عن الثقافة؟

أم أن النقابين و الحزبين ولجوا ميدان الثقافة و أقاموا ثم أنبتوا فيه خلافاتهم  و صراعاتهم بألوان ثقافية ؟

إن الصراع الذي ينبغي يسود في المجال الثقافي، في نظري،  يجب أن يتعلق بالاختلاف الفكري و مرجعياته،  بمآل الإنسان في ظل الشروط الصعبة التي يمر بها الكوكب الذي نعيش عليه، بالنظر إلى العالم الذي لم يعد يرغب في الوجود البشري،  بالقيم و العلاقات الاجتماعية التي يجب أن تسود… تحوُّلُ الصراع ، للأسف الشديد ،إلى أمور غير ثقافية، أفسد فاعلية الفعل الثقافي و أثمر نتائج تعيق تقدم الثقافة و عمل المثقفين.

ليس المثقف ملَكا و لا يمكن له أن يكون كذلك، لكنه في نفس الآن شخص يؤمن بالاختلاف و يحترم الرأي المغاير، مستعد للُقياه و متسامح معه مهما بلغت درجة الاختلاف . عمله الفكري  لا يتوقف عند الانضمام إلى تنظيم يحمل اسما ينتسب إلى الثقافة. كذلك،  ليس ثقافيا في شيء كل سلوك غريزي، يضع الإنسان ضمن الثديات في مجملها، يجعل من القوي قائدا و من الأقل قوة تابعا. ففي الغابة قوانين أكثر تضامنا و أحسن تنظيما.

بالإضافة إلى هذا، يمكننا التساؤل حول دور المؤسسات التي تهتم بالشأن الثقافي في تنمية الحس الثقافي و إشعاعه في المجتمع، حول مد الجسور بين الثقافات المختلفة  و الانفتاح على الغير و ليس فقط بين أفراد الشعب الواحد. فمن المفروض أن تكون الثقافة ، قاطرة توجه و تقود المجتمع بفضل عمل المثقفين الذين يطرحون الأسئلة الحقيقية و يترفعون عن ما قد يبدو صراعا  ثقافيا و لكنه في جوهره،  ليس كذلك.

فهل قدر الثقافة أن تكون لعبة في يد الحزب و النقابة و الجمعية؟

و هل قدر الثقافة أن تتأثر بالخلافات التي من المفروض أن تؤثر فيها؟

أليس من الأجدر بالمثقفين تهيئة مجال صراعاتهم و تقوية حصنه للارتقاء بالثقافة و السير بها نحو تخليق الحياة الاجتماعية؟

*الغازي لكبير – مكناس في 24-06-2022

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد