لا غرو أن تكون مادة “تأسيس أحزاب سياسية أمازيغية” من المواد التي تُسَمِّمُ بدن البعض لدرجة قد يهون معها اغتيال عَرَّابِي هذه التنظيمات المسجلة خَطِرَة في ريبرتوار وزارة الداخلية، ولعل هذا أحد المبررات الثَّاوِيَة وراء محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها أمغار أحمد الدغيرني غداة تأسيس الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي. وازدادت حدة الحساسية تجاه الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي الذي انخرط سريعا في الحياة السياسية بالمغرب متجاوزا أحزاب الكوكوت مينوت سليلة ادريس البصري، خصوصا مع نشر برنامجه السياسي وقانونه الأساسي على نطاق واسع خارقا النواميس التي صنعها دهاقنة الأحزاب المخزنية في تعويم الشعب في الشعارات ورهن ذهنيته وقيدها بمجهول اسمه وثائق الحزب التي لا يعلم سرها إلا الله ويظل مناضلو تلكم الأحزاب زمنا لا يستطيعون سبيلا إلى وثائق الأحزاب التي يدودون عنها بسبب اتكاء جل هذه الأحزاب على أدبيات برانية مرتبطة بدول شرقانية في الأغلب الأعم أو أنظمة توتاليتارية سوغت وجودها على انقاض مواد عصبية وعرقية ودينية لا تستند إلى الأصول المغربية بل هي في مجملها ضد الانسان والأرض واللسان المغربي. وتفاقم الوضع أمام من كان يجد غضاضة من وجود الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي على الخارطة السياسية، بتواتر صدور المذكرات التي وجهت للقصر تارة وللحكومة وللمنظمات الوطنية والدولية أحيانا أخرى، واتضح بجلاء للعيان أن المغرب أخفق الموعد مع التاريخ بمنعه تأسيس تنظيمات سياسية تجد منطلقاتها في التربة المغربية، وتصدر مرجعيتها عن الثقافة الإنسانية التي تحبل بها الثقافة الأمازيغية بدون مركب نقص. فقد كان عمل الحزب يتساوق وبرنامج الانصات لنبض المجتمع المغربي، يتفاعل مع ما يعتمل بداخله ويترافع بشأن قضاياه وليس قضايا غيره.
ولعل الكثيرين من متتبعي تجربة الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي ما زالوا يذكرون هيجان “طالع سعود الأطلسي” – أحد كوادر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية – أياما بعد صدور الموقف النقدي للحزب من الوضع المتقدم الممنوح للمغرب من لدن الاتحاد الأوربي، وتبين تحليلئذ، أننا في مواجهة وحش لا يقل ضراوة عن وحش حدائق أُوجْيَاس، وأن نجاحاتنا في مواجهته ستكون مؤجلة بينما الخسائر التي سنتكبدها ستكون فورية، وهو ما حصل حقا مع صدور حكم المحكمة الإدارية بالرباط والقاضي بحل وإبطال الحزب.
إن تتبع الخيط الناظم بين مختلف تجارب تأسيس التنظيمات الحزبية الأمازيغية بالمغرب سيفضي إلى جملة من المخرجات:
- الوعي السياسي الأمازيغي قمين بنقل الصراع إلى مستوى المنازعة على السلطة والحكم بعد أن ظل حبيس الحدائق الخلفية لصناعة التوازنات؛
- ظهور التنظيم السياسي الأمازيغي سيؤسس لبداية نهاية الريع الحزبي نحو قطبية سياسية بالمغرب مؤسسة على مشروع مجتمعي حقيقي؛
- رسو مسلسل الانتقال الديمقراطي على البر والانخراط في سرعة إرساء المجتمع الديمقراطي الحداثي التعددي؛
- المرور المباشر من “الأحلام الجهوية” نحو “التطبيقات الجهوية”؛
إن هذه المخرجات ليست مقدمة للحديث عن “النرفانا الأمازيغية” أو “الرسو على الأرض الأمازيغية الموعودة”، بل لزم أن تكون مهمازا في يد الفاعل الأمازيغي ورَهْنَامَجًا يقود خطانا في درب مواصلة تنفيذ مهام الحركة الأمازيغية. بيد أن “إعمال النقد المصاحب” يظل حاجة ملحة اليوم أكثر من أي زمن مضى، بالنظر إلى أن تجارب تأسيس التنظيمات الأمازيغية موسوم بسمتي التدافع والتزامن ويفتقر إلى المسافة الضرورية، ونحن على مرمى حجر من تجربة تامونت، المغايرة في المنهج والتفاصيل والأجندة.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.