“الترابي” في كلام عزيز أخنوش : التأويلات الممكنة
ترددت كثيرا قبل أن أبدي رأيي في عبارة “إعادة التربية” الواردة في كلمة رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار أمام المغاربة المقيمين بايطاليا وكانت موضوع ردود فعل متباينة سار أغلبها في اتجاه رفض العبارة المستعملة حيث رآى فيها البعض تهديدا ووعيدا بل ودعوة لقضاء الشارع بدل الإلتجاء للمؤسسات المخول لها مهمة التربية، وسبب ترددي هو أن هذا النوع من البوليميك السياسي لا يستنذ بالضرورة على حسن النية في الحكم وعلى الأمانة في نقل المعلومة، بل على البحث الواعي عن كل ما من شأنه أن يسهم في تحطيم الخصم السياسي، ومن أجل ذلك تستعمل كل الوسائل بدءا بالإشاعة إلى بثر الجمل من سياقها ووصولا لتأويل معين للكلام. وهذا الأسلوب معروف لدى الجميع ويكاد يكون قاعدة عامة لدى كل المتنافسين سياسيا، ما دمنا في حقل لا مجال فيه للأخلاق رغم حديث الجميع عنها، ولذلك فإبداء الرأي في مثل هذه النقاشات بمثابة ولوج إلى حقل مليء بالألغام، فإما أن تكون مع أو ضد.
وقد اقتبست عنوان مقالي هذا من كتاب للأستاذ المرحوم علي صدقي أزايكو “تاريخ المغرب أو التأويلات الممكنة” لأنه يصلح بالفعل لتحليل ما وقع سواء الكلمات المستعملة من طرف عزيز أخنوش وسياق استعمالها من جهة أو طريقة استقبالها ومستويات فهمها من طرف المستمعين باختلاف انتماءاتهم، مع أو ضد حزب التجمع الوطني للأحرار أو مع أو ضد عزيز أخنوش كشخص لسبب أو لآخر. فمناقشة هذا الموضوع إذا يحتاج لعلوم متداخلة من التواصل إلى العلوم السياسية وتحليل الخطاب ونظريات التلقي والتأويل…
لابد من الإشارة إلى أن كلمة عزيز أخنوش ألقيت بالدارجة المغربية “المفصحة نسبيا”، ولذلك فكلمة “الترابي” كما تستعمل في الدارجة، ليست بنفس معنى “التربية” في العربية الفصحى، و ألقيت الكلمة في تجمع جماهيري “حماسي” ولا نذري إن كانت الكلمة معدة سلفا أم كانت تلقائية تحكمت فيها الأجواء العامة التي ألقيت فيها. وقبل أن نسرد التأويلات الممكنة لا بذ من ذكر العبارة كما قيلت وهي كالتالي “المغاربة لي نقصاهم الترابي نعاودو ليهم التربية” وأضاف ” ماشي غير القضاء لي خصو ايدير خدمتو، المغاربة خصهم ايديرو خدمتهم”، ومن المفيذ التذكير بأن هذا الكلام جاء في سياق الحديث عدم احترام البعض للمؤسسة الملكية ولرموز الوطن كالعلم الوطني. فما هي التأويلات الممكنة لهذه العبارات :
1.عبارة “المغاربة لي خصاهم التربية”، إما أن تحيل على جميع المغاربة أو تحيل على بعض المغاربة، أي فقط بعض من الكل. وسياق الكلام يحدد المقصود.
2.عبارة” خص المغاربة ايديرو خدمتهم” قد يفهم منها الدعوة لقضاء الشارع وبذلك نذخل في ما يشبه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما يفهمه البعض فيتجاوز المؤسسات المخول لها ذاك، وقد يفهم منها كما ألفناه سابقا في المجتمع المغربي حيث يساهم الجميع في التنشئة الاجتماعية الجيدة للفرد بدءا بالأسرة فالحي والجيران والمسجد ثم المدرسة…فأي شخص بإمكانه أن يتذخل ليقوم اعوجاجا في سلوك أو كلام الطفل أو أي شخص خارج عن القيم المجتمعية المتعارف عليها.
3.مسؤولية التربية ليست موكولة للقضاء الذي يصدر أحكاما قضائية بعد ثبوت ارتكاب جريمة أو خروج عن القانون لكن التربية من مسؤولية الأسرة والمدرسة أساسا ثم باقي المؤسسات التي تسهم في التنشئة.
إن النقاش الدائر حول العبارات المستعملة من طرف رئيس التجمع الوطني للأحرار وعبارات أخرى من طرف سياسيين آخرين في سياقات أخرى يبين بجلاء الحاجة للتكوين في أساليب ولغة الخطابة وتقنيات التواصل وضرورة الإستعانة بمستشارين في هذا المجال لتجنب كل ما من شأنه أن يؤول سلبا من طرف الخصوم.
الحسين بويعقوبي:
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.