التجمع العالمي الأمازيغي إلى أودري أزولاي مديرة اليونسكو: من أجل حل مشكلة التعليم في المغرب ودول تامزغا
حضرة السيدة المديرة العامة،
لقد تم تثبيت تعيينكم رسميا، يوم الجمعة 10 نونبر الجاري، كمديرة عامة جديدة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة(يونسكو)، وذلك بعد إقرار المؤتمر العام، بمناسبة انعقاد دورته التاسعة والثلاثين، نتائج التصويت الذي جرى في 13 أكتوبر المنصرم في المجلس التنفيذي للمنظمة، ليتم تعيينكم خلال يوم 13 نونبر خلال حفل بالمناسبة قبل أن تشرعوا في ممارسة مهامكم بشكل رسمي ابتداء من يوم 15 نونبر 2017.
وبهذه المناسبة، نود بادئ ذي بدء، أن نتقدم إليكم بأحر التهاني، متمنين لكم كل النجاح في مهامكم بعد تقلد منصب المسؤولية الجديدة والنبيلة على رأس اليونسكو.
حضرة السيدة المديرة العامة،
وبما أنكم سوف تضعون برنامجا، سيكون فيه التعليم ضمن أولوياتكم المستعجلة، أود أن أسائلكم حول هذا القطاع المثير والحساس في بلدان شمال أفريقيا، والذي يتسم بالتراكم المقلق للإخفاقات المتعاقبة، بسبب الإصلاحات السرمدية التي لا تستند إلى الواقع الثقافي، والسوسيولوجي والانتروبولوجي والتاريخي واللغوي لبلداننا في شمال افريقيا، وحيث يصر السياسيون على التمسك بأيديولوجية متقادمة وفي حالة احتضار مستوردة من الشرق الأدنى البعيد عن واقعنا. ولا أدلّ على ذلك، مثال المملكة المغربية، التي ينحدر منها والداكم الأمازيغ اليهود.
ورغم أن مانوس أنتونينيس، مدير الفريق المعني بالتقرير العالمي لرصد التعليم، قال في مقر الأمم المتحدة يوم 26 أكتوبر المنصرم، “إن المغرب يعد مثالا للدول التي حققت تقدما هائلا في التعليم خلال العقد الماضي وباشرت إصلاحات همت إشكالية لغة التعليم”، و هو “أحد البلدان التي حاولت بشكل فعلي (…) معالجة الإشكالية الكبيرة المتعلقة بلغة التدريس في المؤسسات التعليمية”، لا يزال على العكس من ذلك، أحد البلدان التي اعترفت بفشلها الذريع في هذا المجال، لان أكثر من 400.000 تلميذ يغادرون الدراسة سنويا على مستوى التعليم الابتدائي، وأكثر من 100.000 من التلاميذ يكررون السنة الاولى. ولا يصل إلى المستوى الثانوي إلا نصف التلاميذ المسجلين في التعليم الابتدائي، فيما لا تتجاوز نسبة الذين يحصلون على الباكلوريا 13 في المائة، رغم أن قطاع التعليم يستحوذ على حصة كبيرة من الميزانية العامة للمملكة. وقد رصدت الحكومة الحالية، برسم ميزانية 2018، لوزارة التربية الوطنية ميزانية تقدر بأكثر من 59 مليار درهم، بزيادة تقدر بـ9 في المائة بالمقارنة مع الميزانية المخصصة لهذه الوزارة سنة 2017 والتي ناهزت 54.4 مليار، بحجم نفقات أضخم بالمقارنة مع باقي القطاعات حيث تتجاوز 22 في المائة من الميزانية العامة للدولة.
إنها أرقام مقلقة، بالنظر إلى حجم الهدر المدرسي الذي لايزال نظامنا التعليمي عاجزا أمامه، حيث فشلت المدرسة العمومية في إدماج التلاميذ ووضع حد لانقطاعهم عن الدراسة في سن مبكرة، لينتهي المطاف بجزء كبير منهم في أحضان الجريمة والجنوح، وهي ظاهرة أضحت تعرف تزايدا مقلقا في المغرب، والأخطر من ذلك هو أن بعضهم يرتمي مباشرة في شباك الجهاديين والمجموعات المتطرفة..
لقد كانت هجمات برشلونة الإرهابية، التي وقعت يومي 17 و18 غشت المنصرم، مناسبة استغلها الإعلام الاسباني والأوربي لمهاجمة المغرب مباشرة متهما إياه بكونه مصدرا رئيسيا لـ”الجهاد العالمي”، لدرجة أن أسبوعية “جون أفريك” أقدمت على وضع غلاف لعددها (من 27 غشت إلى 3 شتنبر) ضمنته ألوان العلم المغربي والنجمة الخماسية، مع عبارة تقول “Terrorisme: Born in Morroco” (الإرهاب: ولد في المغرب)، مرفوقة بصور 10 شباب أوروبيي الجنسية من أصول مغربية ينتمون للخلية الإرهابية التي أعدت ونفذت اعتدائي برشلونة وكامبرليس في إسبانيا(1). وذهبت صحيفة “لاراثون” أبعد من ذلك حيث كتبت أن “70 في المائة من الجهاديين الذين نفذوا عمليات إرهابية في أوربا خلال 15 سنة الماضية ذوو أصول مغربية”، وأن “المملكة العلوية أضحت مهدا للتطرف بالنسبة للشباب الملتزم بالجهاد”(2).
وبالنتيجة، من غير الطبيعي على الإطلاق أن يستحوذ المغرب، الذي يبلغ عدد سكانه 35 مليون نسمة، ضمن ساكنة عالمية تضم أزيد من 1.6 مليار نسمة من المسلمين، على 70٪ من الجهاديين الإسلاميين الذين ارتكبوا هجمات فظيعة في أوروبا!
لا أحد يستطيع أن يعطي تفسيرات مقنعة لهذه الظاهرة الغريبة، والتي تعود في نهاية المطاف إلى الدور الكارثي الذي لعبته المدرسة المغربية (ومن ثم الأنظمة التعليمية في شمال أفريقيا). لقد حاولت شخصيا، تقديم تفسير خاص لهذه الظاهرة، وذلك من خلال رسالتي المفتوحة إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حول موضوع “مستقبل أوربا والهجرة الشمال-افريقية والأممية الإسلامية”، في شهر أبريل المنصرم. وقد أكدت لها أن : ” لقد أصيبت هذه الدول الاتحاد الاوربي بعجز ولم تعد تعرف كيفية إيجاد حلول مناسبة للازمة الاقتصادية او بطالة الشباب او التدفق المتواصل للاجئين والمهاجرين، ناهيك عن الاشكالية الشائكة المتمثلة في الإرهاب الزاحف على اوربا. لم يتردد الإرهابيون في ضرب اوربا في عمقها كما وقع في الهجمات القاتلة بباريس يوم 13 نونبر 2016، وفي بروكسيل يوم 22 مارس 2016 وبمدينة برلين يوم 19 دجنبر 2019، وبعد اعتداء لندن الارهابي لا أحد يعلم ما هو الهدف القادم..
إن الرأي العام الاورربي يعتريه شعور بأن الاتحاد الاوربي، بعد ستين سنة على اتفاقية روما، أصبح عاجزا على وقف تجنيد بعض المواطنين الاوربيين الشباب الذين يعلنون ولاءهم لتنظيم “داعش”، عبر اندماجهم في خلاياه أو بمثابة ذئاب منفردة ، والذين يتسببون في مزيد من التفجيرات الوحشية والمروعة في سوريا والعراق وليبيا..
لماذا يسقط الشباب من أصول شمال-افريقية ضحية للشبكات الارهابية الاسلامية ويقدمون على ارتكاب هذه الأعمال الارهابية التي تمسّ بأسرهم وتضرّ بها، وبصورة دينهم واستقرار مجتمعاتهم بمختلف دول شمال المتوسط التي احتضنتهم واستقبلتهم ورحبت بهم ومنحتهم جنسيتها التي سمحت لهم بالتمتع بنفس الحقوق الفردية وبرعاية اجتماعية خاصة؟
كيف يمكن معالجة هذه الوضعية؟ يجب علينا ان نفهم كيف يسقط شباب، تدين وتندد قيم أجدادهم بكل أنواع العنف، في شراك الشبكات الارهابية ويقترفون أفعالا دموية، علما انها تمس بشكل خطير بأسرهم وبرسالة السلام التي يحملها دينهم الاسلامي وباستقرار وتعايش مجتمعاتهم في مختلف دولكم..
إن اليمين المتطرف لا يدّخر أي فرصة لكي يلصق وينسُب كل هذه الشرور للدين الاسلامي، والحقيقة ان هذه الاشكالية ترجع في جانب كبير منها إلى ظاهرة أخرى. لا يفتأ المؤرخ الفرنسي، بيير فيرموران، يذكرنا بان اغلبية منفذي اعتداءات مدريد في 11 مارس 2004، وباريس وبروكسيل هم من أصول مغربية وبالضبط من منطقة الريف(2). لكن، ما هو أكثر خطورة، هو انه في حال سقوط شباب الريف، الذين يوجد بعضهم على رأس شبكات تهريب الحشيش من المغرب إلى اوربا، في أيادي داعش أو تنظيم القاعدة فإنهم سيتمكنون دون أدنى شك من زعزعة استقرار المغرب وكل أوربا(.(3
وفي الواقع، إذا حاولت مصالحكم الأمنية المختصة إجراء بحث معمق حول أصول أكثر من 800 شاب الماني نجحت داعش في تجنيدهم، فستدرك انهم شباب من اصول مغربية، في وقت كان يجب ان يكونوا في الحقيقة من أصول تركية مادام الاتراك يشكلون اكبر جالية مسلمة في المانيا، هي اكبر من الجالية المغربية.
لنكن واضحين: إن أسباب هذا التجنيد ليست مرتبطة في الحقيقة بالدين، وإنما أساسا بمسألة “ازمة الهوية”(4).إذا كان العامل الديني يساهم في ذلك إلى حدّ ما، فلأننا سمحنا لأئمة وهابيين من الشرق الاوسط بتسيير وتدبير أمور مساجد يؤمها في الغالب الأعم مسلمون مالكيو المذهب من شمال افريقيا، كما هو الشأن بالنسبة للمسجد الكبير ببروكسيل، مع العلم ان الغالبية العظمى من مسلمي أوربا المنحدرين من شمال افريقيا يتبعون المذهب المالكي، الذي يحترم حياة الانسان، وهو مذهب نُشر من طرف الدولة المرابطية الامازيغية..
إذا كان غالبية الشباب المنحدر من أوساط الهجرة يقعون في أتون الانحراف- بما في ذلك تلك القلة القليلة التي تم استدراجها من قبل الأطروحات الجهادية- فلأن “المدرسة الألمانية” ببلد الاستقبال لم تنجح في إدماجهم الدراسي. هذا ما لاحظه مسؤولوكم التربويون خلال عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم، والذين كان لهم الفضل في تطوير وتطبيق برنامج تعليمي يرتكز على تعليم اللغات والثقافات الأصلية(ELCO) (5). وهو ما دفع وزارة التعليم الوطنية ببلادكم، آنذاك، إلى عقد اتفاقيات مع الدول المصدرة للهجرة لأجل تعليم تكميلي للغات الاسبانية والبرتغالية والإيطالية والبولونية والتركية والعربية…وكانت النتائج مذهلة: فقد استطاع التلاميذ من أصول اسبانية وبرتغالية وإيطالية… بما في ذلك المسلمين من أصل تركي، من تحسين أدائهم، وتقلصت نسبة الفشل الدراسي بشكل كبير، واستطاعوا بالتالي النجاح في الاندماج الاجتماعي والسوسيومهني، إلا ان ذلك لم يكن هو حال التلاميذ من أصول مغربية، حيث أضحت النتائج أسوأ من ذي قبل.
والجواب يكمن بكل بساطة في حقيقة كون هؤلاء الأطفال من أصل مغربي ليسوا “عربا”، ولم تكن ثقافتهم عربية ولا لغتهم عربية. ولم يكن هؤلاء الأطفال يفهمون ما يلقنه لهم المعلمون المغاربة لأن جلهم أمازيغ من أصول ريفية(شمال المغرب). إذا كان التلاميذ الأتراك يفهمون جيدا معلميهم الذين بعثتهم حكومة انقرة، فإن التلاميذ من أصول مغربية لم يكونوا يفهمون بتاتا ما يلقنه لهم المعلمون العربفونيون. وقد ساهم هؤلاء المعلمون في تعميق الأزمة الهوياتية للأطفال من أصول مغربية، وتحقيرهم والتقليل من قيمتهم والحكم عليهم بالعيش على هامش المجتمع لتوسيع جيوب الانحراف ومضاعفة شبكات الاتجار في المخدرات، لينتهي الأمر ببعضهم في أحضان الإرهاب ليتحولوا إلى قنابل بشرية(6)..
ولأجل ذلك، وتحقيقا للمصلحة العامة، ومن أجل دمج ناجع للأطفال الضائعين والمقتلعين من جذورهم، كان لزاما (ولا يزال) توفير معلمين لتعليم اللغة الأمازيغية والتدريس بها.
وفي هذا الاطار، وعلى سبيل المثال، فإن على السلطات الألمانية، ولأجل إدماج ناجع لأبناء المهاجرين السوريين والعراقيين الذين تم استقبالهم، ان تعمل على دمج لغتهم الام ضمن “تدريس اللغات والثقافات الأصلية”( ELCO) إلى جانب التدريس الإجباري للغة الالمانية، وهي اللغة العربية بالنسبة للسُّنة والفارسية بالنسبة للشيعة والكردية بالنسبة للاجئين الاكراد.
وعلى العكس من ذلك، فإن فكرة الوزيرة الفرنسية نجاة فالو بلقاسم، وهي أمازيغية من أصول ريفية (من شمال المغرب)، والتي ترغب في تدريس اللغة العربية في المدارس الفرنسية، لن تكون مجدية وستكون نتائجها عكسية تماما. وعوض دمج لغتها الام الامازيغية في المقام الاول، ومساعدة الأطفال من أصول مغاربية لأجل استعادة القيم الأصيلة لهويتهم الأمازيغية الضاربة في القدم، المبنية على التسامح والحرية والمساواة، كما تنادي بذلك قيم الجمهورية الفرنسية، فإن السيدة الوزيرة تريد ان تفرض عليهم اللغة العربية الفصحى، ومن تم اغتراب المواطنين الامازيغ الاوربيين المنحدرين من جبال القبائل بالجزائر وسهل سوس وجبال الريف وسلاسل الأطلس بالمغرب. هكذا تحاول سعادة الوزيرة ان تفرض عليهم “سياسة تعريب ايديولوجي”، الذي سبق وأن دمّر نظام التعليم بالمغرب وفي كل بلداننا المأسوف عليها بتامازغا بكثير من القسوة وبشكل لا رجعة فيه..
ويبدو أن الوزيرة الفرنسية تجهل أن الاقتلاع والتثاقف، الذي بدأ في البلد الاصلي والذي يتواصل بالبلد المضيف، تدفع الشباب المسلم حتما، للتطرف في اتجاه الحركات الاسلامية، حسب دراسة ذات صلة انجزها مانويل ياماس بمدينة مليلية (8).”
خلاصة القول، هو أن نظام التعليم أعلن عن فشله بكل المدارس على صعيد دول شمال أفريقيا لسبب بسيط، هو انه لم يحترم أبدا التوصيات التي صدرت منذ عام 1962 من قبل مؤسستكم اليونسكو، الداعية إلى إدماج اللغة الأم في التعليم الابتدائي منذ السنوات الأولى، وكذا استخدامها في محو الأمية لدى الكبار، كما أشار إلى ذلك أحمد بوكوس، استاذ اللسانيات الاجتماعية (9):
1- اللغة الأم تضمن الاستمرارية بين البيئة الأسرية والبيئة المدرسية.
2- اللغة الأم تضمن شروط النجاح وولوج الطفل إلى فضاء اجتماعي جديد
3- اللغة الأم تسهل اكتساب استراتيجيات التعلم بشكل عام ومهارات القراءة والكتابة بشكل أكثر فعالية بالمقارنة مع لغة ثانية أو لغة أجنبية
4- اللغة الأم هي الوسيلة الطبيعية للفكر والتعبير لدى أي شعب، ويمكن توظيفها في التعليم ومحو الأمية من توثيق عرى الارتباط بمصادر ثقافته.
5- وينهض تعليم اللغة الأم أيضا بوظيفة التيسير من خلال لعب دور الوسيط بين المرجع الثقافي للأسرة والمرجع الثقافي والاجتماعي الذي تنقله المؤسسة المدرسية …
ويضيف أحمد بوكوس أنه وفقا لخبراء اليونيسكو والبيداغوجيين وأطباء نفس الأطفال، فإن للغة الأم أسس نفسية وتربوية قوية، لأنها: “تلعب دورا حاسما في نموه المعرفي، وفي علاقته العاطفية والنفسية مع بيئته المباشرة، وفي تمدرُسه وخلال عملية فهم وتملك العالم “.
وبناء على ذلك، فإن نظام التعليم المغربي والشمال افريقي لن يحرز أي تقدم أو نتائج ملموسة حتى يتم دمج اللغات الأم، وهي الأمازيغية والدارجة. وكما أشار إلى ذلك مدير تقرير اليونسكو العالمي لرصد التعليم: فإن ” طبعة هذه السنة تشير إلى أن حوالي 100 مليون شاب على المستوى العالمي لا يستطيعون القراءة، وذلك راجع بالأساس لأن لغة التدريس في المدارس ليست هي اللغة التي يفهمها الأطفال أو يتكلمونها داخل المنزل”. وبهذا الصدد، اعترف وزير التربية السابق رشيد بلمختار بأن 78٪ من الطلاب الذين يفلحون في استكمال تعليمهم الابتدائي لا يستطيعون القراءة أو الكتابة (جريدة الصباح 11/11/2015)!
وينضاف إلى كل هذا، تلك النتيجة المشؤومة ومفادها أن المدرسة المغربية (ومن ثم كل المدرسة في شمال أفريقيا) لم تعد تضمن الارتقاء الاجتماعي، وذلك بسبب سياسة التعريب الأيديولوجي للنظام التعليمي الذي لايزال مستمرا حتى اليوم. إن الهدف من هذه السياسة التعريبية، كما اعترفت بذلك الحركة الوطنية والمثقفون العروبيون، وعلى رأسهم علال الفاسي ومحمد عبد الجابري، هو الإبادة اللغوية والثقافية في حق الأمازيغية، لتقليص عدد المتكلمين بها وجعلهم أقلية ضئيلة.
والآن، وبعد الاعتراف الدستوري بالامازيغية كلغة رسمية، يبذل السياسيون والمفكرون المرتبطون عضويا بالقومية العربية، ومعهم الإسلاميون وكذا المسؤولون الحكوميون، قصارى جهدهم للحيلولة دون تعزيزها وتعميمها في النظام التعليمي من الابتدائي إلى الجامعي، كما أوصت بذلك هيئات الأمم المتحدة خلال فحص تقرير المغرب، ولاسيما لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في أكتوبر 2015، وكما أشار إليها مجلس حقوق الإنسان في الدورة السابعة والعشرينلفريق العامل المعني بالاستعراض الدوري الشامل (https://digitallibrary.un.org/record/862305/files/A_HRC_WG.6_27_MAR_2-FR.pdf ). ، وكما أشار إلى ذلك حسن أوريد، في أطروحته لنيل دكتوراه الدولة(10):” إن الأكثر خطورة، وفقا لمحمد شفيق، هو أن سياسة التعريب بمثابة مناورة، بل مؤامرة، لجعل الأمازيغ أتباع دائمين وتأبيد تبعيتهم وتقليدهم للمهام الثانوية، في حين أن المروجين للغة العربية يسجلون أطفالهم في مدارس البعثات الفرنسية التي تكفل لهم مناصب رهن الاختيار والارتقاء الاجتماعي”.
إنها لحقيقة محزنة ومؤسفة، تلك التي أكدها التحليل الوجيه لمحمد بودهان(11)، حيث أكد أن ” الدور الحقيقي للتعريب هو الحفاظ على امتيازات وتفوق هذه الطبقة الصغيرة الغنية، وإقامة “حدود” لا يمكن تجاوزها بين النخبة والجماهير. وكان من الضروري “تحييد” دور التعليم العام المجاني كوسيلة للتقدم والارتقاء الاجتماعي. وكان الهدف من التعريب هو تحييد ارتقاء الطبقات المحرومة.”.
ويضيف بودهان :” أن الوظيفة الحقيقية، ولكن الخفية، للتعريب هي إقامة والحفاظ على تقسيم اجتماعي للعمل، تحكمه العلاقات الطبقية: فهناك، من جهة، الوظائف النبيلة – وهي المهام المتمثلة في القيادة مثل: الإدارة والتدبير والإشراف والتخطيط والرقابة، التي تمارسها الطبقة الراقية بفضل ثروتها والمستوى التعليمي المفيد والممتاز الذي حصلت عليه، والتي تجعلها مؤهلة لهذه الوظائف العليا. ومن جهة أخرى، فإن الوظائف الهامشية من الدرجة الدنيا- وهي في معظم الأحيان مهام التنفيذ والإنتاج – تركت للفئات المحرومة التي لا تسمح لها ظروفها الاقتصادية لولوج نفس النظام التعليمي والحصول على نفس المستوى التكويني الممتاز والمفيذ، ماديا ورمزيا. هذه الفئات، لا يمكن لها الولوج إلا إلى التعليم المجاني والمعرب، الذي لا قيمة له في سوق الوظائف المحترمة والنبيلة “.
في نهاية المطاف، فإن سياسة التعريب الأيديولوجي الكارثية، لم تعمل سوى على استدامة سياسة التمييز التي نهجها الاستعمار الفرنسي، والتي أشار إليها محمد بنهلال في دراسته القيمة حول ثانوية أزرو (12) من خلال التأكيد على أن “وضع وتنظيم التعليم في المدارس الابتدائية للسكان الأصليين كرس التمييز العرقي والاجتماعي الذي كان رائجا من قبل منذ الظهور الخجول للتعليم الحديث في المغرب: مدارس أبناء الأعيان التي تستهدف النخبة المسلمة و المدارس الشعبية المخصصة للباقي الفئات الشعبية”.
حضرة السيدة المديرة العامة،
وخلاصة القول، فإن سياسة التعريب في المغرب فشلت بشكل واضح ومكشوف، كما هو الشأن في جميع بلدان تمازغا، لسبب بسيط هو أن سكانها ليسوا “عربا”.كما أشرت إلى ذلك في رسالتي الموجهة إلى المستشارة الالمانية، حيث أكدت أن:” في رسالة بعثت بها مؤخرا إلى الامين العام للأمم المتحدة(8)، أشرت فيها إلى أن “رؤساء دولنا الشمال-افريقية ومسؤولينا الحكوميين، الذين كانت لكم فرصة اللقاء بهم، لايزالون للأسف يواصلون سياساتهم العنصرية غير العادلة ضد الشعب الاصلي الامازيغي، من خلال الإصرار على اعتبار أنفسهم “عربا” و التصرف باعتبارهم اسيويين وليسوا افارقة، ومن خلال عدم ادخارهم أي جهد لتعريب شمال افريقيا بالاعتماد على ايديولوجياتهم البعثية الإسلامية المستوردة من الشرق الأوسط ، التي عفا عنها الزمن والتي كانت سببا في خراب دول بأكملها كما هو الشأن بالنسبة للعراق وسوريا..
وطالما هم كذلك، ولم يستوعبوا بعد هويتهم الامازيغية والافريقانية، فإنهم سيظلون يتصرفون كسياسيين نيوكلونياليين في أعين مجتمعاتنا، رغم ان العلوم وعلم الوراثة اثبتوا انهم ليسوا بعرب على الاطلاق..
وكشفت نتائج دراسة واسعة حول الأنثروبولوجيا الجينية، التي أطلقها ناشيونال جيوغرافيك تحت اسم المشروع الجينوغرافي عام 2005(9)، على سبيل المثال أن أغلبية سكان تونس من أصل أمازيغي بنسبة تتجاوز 88 في المائة في حين لا تتجاوز نسبة من لديهم جينات من أصول عربية 4 في المائة..
كما ان نتائج دراسة أخرى حول الانثربولوجية الجينية ذهبت بعيدا، وهي دراسة قام بها فريق بحث اسباني تحت إشراف عالم الإمينولوجيا الاسباني انطونيو ارناييز فيلينا(عالم متخصص في نظام المناعة) ، حيث أكدت أن بعض الشعوب الاوروبية المطلة على البحر الابيض المتوسط (الباسك، والاسبان، والبرتغاليين، وسكان جنوب ايطاليا والصقليين…) لديهم نفس الأسلاف مع شعوب شمال افريقيا، وتحديدا في الصحراء الكبرى(10).
وبالإضافة إلى ذلك، فإن آخر ما توصل إليه الباحثون بإحدى مؤسساتكم الألمانية، ويتعلق الامر بالمعهد الألماني للآثار (KAAK)، بالتعاون مع المعهد الوطني لعلوم الاركيولوجية والآثار بالمغرب، بعد ان نجحوا في إجراء حفريات اركيولوجية بالريف الشرقي(11) كتلك التي أجروها بإيفرينعماربأفسو(جبل العروي بالناظور)، وحاسي وينغاوإيفري ن البارود(ساكا)، حيث تمكنوا من إثبات وجود الانسان خلال كل حقب ما قبل التاريخ، من العصر الحجري القديم الأدنى إلى العصر الحجري الحديث، من حقبة صناعة الأدوات الحجرية ذات الوجهين إلى اكتشاف الزراعة. وهي نتائج تتعارض بشكل قاطع مع الأطروحة الرسمية الخاطئة للايديولوجية العربية الإسلامية التي تدعي ان أجداد الامازيغ أتوا من الجزيرة العربية واليمن !”. بل والأكثر من ذلك، فإن الاكتشاف الأخير لإنسان جبل إيغود، على بعد 100 كيلومتر من مراكش، من طرف فريق علمي يقوده البروفسور جان جاك هوبلين، من معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا التطورية في ليبزيغ بألمانيا، وزميله البروفسور المغربي عبد الواحد بناصر عن المعهد الوطني للأركيولوجيا والتراث في الرباط، أماط اللثام عن حقيقة علمية جديدة أحدثت رجة في المجتمع العلمي برمته، حيث تم تحديد تاريخ اللقى التي عثر عليها بجبل إيغود بحوالي 300 ألف سنة قبل اليوم، وبالتالي فإن هذه العظام تعد أقدم بقايا لفصيلة الإنسان العاقل المكتشفة لحد الساعة، إذ يفوق عمرها عمر أقدم إنسان عاقل تم اكتشافه إلى الآن بحوالي 100 ألف سنة..
وبهذا الخصوص، نلفت انتباهكم حضرة السيدة المديرة العامة، أن هذا الموقع الأثري الرائع، الذي يجب الاعتراف به وإدراجه ضمن برنامج مواقع التراث الإنساني العالمي الذي تديره اليونسكو، قد يكون عرضة للتدمير التام من طرف مستغلي المقالع الحجرية التي تحيط به، إذا لم تتخذوا تدابير عاجلة لحمايته.
وفي انتظار الخطوات التي ستقومون بها من أجل إثارة انتباه المسؤولين التربويين ببلدان تامازغا وإقناعهم بأهمية اللغة الأم بالنسبة في الانظمة التعليمية، نرجو ان تتفضلوا، حضرة السيدة المديرة العامة، بقبول فائق تقديرنا واحترامنا..
توقيع: رشيد راخا: رئيس التجمع العالمي الامازيغي
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.