في كل مناسبة إنتخابية، يعيد الامازيغ طرح السؤال القديم/الجديد ـ ولو بصيغة غير مباشرة ـ مالعمل ؟ فلا خبرة السنين الطويلة ولا تراكمات النضال المتعب أسعفتهم في ايجاد الاجابة الموضوعية لهذا السؤال, بل وحتى الاقتراب منها، واكتفوا بتاجيله ـ بوعي او بدون وعي ـ من موعد الى اخر، وعدم الاجابة على هذا السؤال ـ هو في نظرنا ـ ما يجعل الموقف الامازيغي موقفا رخوا دون ادنى تاثير في المشهد السياسي/ الثقافي/.. وهو سبب التراجعات التي يعرفها ملف الامازيغية في شموليته.
ان هذا التاجيل ” المرير” و ”الأليم ” لهذا السؤال، هو ما جعل عددا من الفاعلين والاطر في الحركة الامازيغية يعيشون ” لحظة سبات ” ممتدة دون انقطاع، وتحولوا مع مرور الوقت وبفعل تكرار ” الموقف الصامت ” الى اصنام ، يرعبون بظلالهم كل بعيد، ويعبِّرون بجمودهم عن قصور منقطع النظير لكل قريب !
ان محاولة الاجابة على سؤال ” مالعمل ؟ ” ـ وكما عهدها الامازيغ ـ ترتبط اساسا بالبحث عن اطار ” جديد ” او ” نفس جديد ” ، وهذا هو الخطا المنهجي الذي وقع فيه الجميع، بيد ان البحث عن الاطار الملائم للمرحلة سواء كان حزبا سياسيا او جمعية سياسية او العمل بجناحين او مقترحات اخرى ، ليست سوى اجابة ” خاطئة ” لسؤال اكبر بكثير من مجرد اقتراح ” اطار نوعي ” او ” تغيير ادوات الاشتغال ” من الحقل التقافي ـ الحقوقي الى الحقل السياسي او حتى المزاوجة بينها .
وماعرفته لحظة البحث عن الاجابة التي عاشها الامازيغ ـ فعليا ـ منذ ظهور دينامية لجنة البيان الامازيغي، اوحتى ـ ضمنيا ـ من قبل ذلك، من مخاض عسير تميزت ” بالتراشق ” المتبادل والدفاع عن ” الادوات ” اكثر منه دفاعا عن تصور شامل لحل ناجع ” لملف الامازيغية ”.
وفي ظل هذا الوضع ندعوا الجميع الى المزيد من التفكير بهدوء وبتبصر بعيدا عن المغالاة في الطرح كيفما كان، والانطلاق من دراسة معمقة لكل المحطات التي مر منها الشعب الامازيغي وكل الشعوب التي تعيش او عاشت وضعا مماثلا، ومواصلة البحث لفهم مكنزمات الصراع داخل المجتمع المغربي، بالاستناد على كل المقاربات العلمية الرصينة. فتاسيس مشروع مجتمعي في حاجة الى الالمام بكل العلوم، وعلى المناضلين ان يقطعوا من ” العاطفة ” و ” الحس المشترك ” لأن عدم فهم الواقع والانسان وادوات الصراع لن يفضي الى بناء تصور استراتيجي للمستقبل القريب والبعيد دون شك !
وارتباطا بهذه اللحظة الهامة التي يعيشها الشعب الامازيغي في القطر المغربي، والمتسمة بضيق افق التغيير الى ماهو افضل، على الامازيغ ان يستيقضوا من سباتهم العميق قبل فوات الاوان ! وان يتيقنوا ان شعارات ” المفهوم الجديد للسلطة ” و ” الانتقال الديمقراطي ” و ” الانصاف والمصالحة ” و” مابعد دستور 2011 ” ليست سوى عناوين لانتصار المخزن في مسلسل عنتيرياته وبطولاته وحربه بلا هودة للقضاء على كل ضمير حي في هذا المجتمع البئيس، وليست الا مظهر من مظاهر نزع كلما من شأنه ان يقوي عضد جسم هدا المجتمع المغلوب على أمره.
ونحن على ابواب الانتخابات البرلمانية ، تنكشف مرة اخرى ” عورة ” الامازيغ ، وهم يساقون كما تساق الخراف الى مزالق لن يحصدوا من ورائها الا الريح . فمن مقاطع للانتخاب الى مرشح الى مدعم لحزب ومعلن للتصويت ، يتضح ان الجسم الامازيغي واهن لا صحة ولا قوة له ولا تاثير ! يقوده ” الجهل ” ويحركه ” الاندفاع ” اما العقلانية فلا يعرف اليها سبيلا !
ادن فإعلان المشاركة و مساندة مرشحين او اعلان المقاطعة ليسا بقرار ” عقلاني ” يمكن ان يستفيد منه الشعب المسحوق، لذا سنقف عند كلا الخيارين ونبرز قصورهما ، وسنقترح في المقابل خيارا ثالثا ، ندعمه بما نملكه من حجج عقلانية ، مبرزين افاقه ورهاناته.
1 _ االمشاركة في الانتخابات :
قرار اعلان الاطارات الامازيغية مساندة هذا الحزب او ذاك، او حتى اعلانه من طرف فاعلين امازيغ، يضع الحركة ومنطلقاتها واسسها ومسارها النضالي في مهب ” الريح ”، اولا لان هذا سيزيد من اتساع الهوة بين الامازيغ ، ويقعون في ما يمكن ان اسميه ” صراع الاغبياء ” ، لانهم سيدخلون في صراعات مع بعضهم البعض ولن يستفيدوا شيء ، فالمساند للجرار سيتصادم مع المساند للرسالة و يتصادمان مع المساند للحمامة وهكذا بالنسبة للوردة او احزاب اخرى ” يزعم ” الامازيغ انها قد تلبي مرادهم لو وصلت الى الحكم !!!
الامر الثاني ، انهم يحققون ما اراده ” النظام الحاكم ” ، اي الإنخراط بشكل مكثف في ” اللعبة السياسية ” ـ ولا اقول اللعبة الديمقراطية ـ وهذا من شانه ان يفوت على الامازيغ كل المجهودات التي يقومون بها في الترافع على المستوى الدولي ـ وهذا خطير جدا ـ وان فقد الامازيغ هذه الحضوة الدولية ، سينسفون كل التاريخ النضالي الذي قدموه في مختلف المحافل الاممية ، وسيظهرون بمظهر ” الكذاب ” / المنافق . فهاهم ينددون بعنف الدولة في جميع مستوياته ، ويشجبون بشكل دائم اغتصاب الدولة لحقوقهم ( الثقافية ، الهوياتية ، الارض ….) وها هم في نفس الوقت يشاركون في ” خريطة الطريق ” التي ترسمها الدولة ” !!!! وهذا من شانه ان يعيق النضال الترافعي على المستوى الدولي ، ويوقف جني المزيد من المطالب، فلا يخفى عليكم ان الضغط الدولي على النظام المغربي هو الذي عجل بتنازل النظام عن بعض المطالب الشعبية- رغم اننا لا ننكر المجهود الداخلي لكن، الداخل غير مؤثر بشكل قوي، فلو لم يعتبر النظام المغربي لما يرسم للسياسات الجيو استراتيجية في المنطقة ، وتخوفه من ” الخصام ” مع الدول الكبرى ـ ملف الصحراء كملف حارق ـ لأباد الشعب كما فعلت جل أنظمة القمع في مختلف البقاع . وما نجاح حركة 20 فبراير في الحصول على بعض المطالب ” الفتات ” إلا مظهر من مظاهر هده المقاربة المخزتبة لإخماد كل الإحتجاجات و تدخل ضمن هذا ” التوجس ” الذي يسيطر على قمة الهرم في الدولة .
2ـ مقاطعة الانتخابات :
ينطلق المدافعون عن هذا الطرح من ان ” السياق العام ” الذي يعيشه المغرب غير ملائم للمشاركة والتصويت في الانتخابات، وان ” المهمِنين ” يملكون جميع الاوراق، وقادرون على حبك جميع السيناريوهات التي تحقق لهم مزيدا من ” الهيمنة ” والمزيد من ” الاغتناء ” ومواصلة احتكار كل ” الرساميل ” التي يمكن ان يُتنافس عليها، ولا مجال ـ في نظرهم لدخول ” معركة ” ممسرحة رسمت نتائجها سلفا ! وهذا التيار ـ رغم انه غير منظم سميناه تجاوزا ” تيارا ” ـ ينتظر ان تتغير الاجواء, كي يدخل ” معترك ” السياسة.
في مقابل هذا الطرح هناك طرح ثان، يرى ” عدم الجدوى ” من التصويت او الانخراط بشكل او باخر في ما يسميه ” الوهم ” ، ولا ينتظر ان تتغير الاجواء ، ولا يتفاءل من ان التغيير ” ممكن ” !
وهو بذلك اقرب ما يكون الى تيار ”عدمي ” لا يرى الجدوى ” من اي فعل، كان مدنيا او سياسيا. وكل الافراد الذين ينتمون الى هذا ” الطرح ” كانوا في السابق ينتمون الى ” الطرح ” الاول ، لكنهم سرعان ما فقدوا ” الامل ” من التغيير ، وفهموا ان الوضع سيبقى كما هو الى ابد الابدين !
وكلا الطرحين ـ في نظرنا المتواضع ـ فقدا البوصلة ولم يفهما ” مكنزمات ” الصراع حول الثروة والقيم والريادة والتميز داخل النسجيج الاجتماعي في مختلف مستوياته، وقد تحولوا بفعل هذا الموقف الى ” فرامل ” تعيق التقدم اكثر مما تقدم تصورا بديلا ناجعا.
3ـ الخيار الثالث:
ان هذا الخيار الذي سميناه ” ثالثا ” هو خيار ” برغماتي ” بامتياز ، يهدف اولا إلى الحفاظ على المكتسبات والبحث في نفس الوقت للحصول على المزيد منها ، وينطلق من فهم راسخ للصراع داخل المجتمع المغربي في جل حقوله ومستوياته.
فالحفاظ على المكتسبات ” الديمقراطية ” التي حققها الشعب المغربي بنضالاته الممتدة منذ مقاومة اول غزو اجنبي الى الان ، لا يمكن انكارها او التراجع عنها، رغم أنها ليست كافية بالمرة, ومن قناعة راسخة من ان الحصول على المزيد من المطالب يقتضي التعبئة والتنظيم وتوزيع جيد للمجهود والوقت والموارد، وان ” الديمقراطية ” كخيار استراتيجي هو الضامن الوحيد لبناء مستقبل مشرق ، كما ينظر الى الديمقراطية بمنطق تراكمي، أي انها ليست لحظة نهائية او صيغة واحدة ووحيدة تاتي بشكل كلي بكبسة زر .
ادن وتحقيا للنجاعة ” النضاية ” و” احقاق ” مزيدا من الحقوق والحريات والخروج من ” السلبية ” نحو ” الفعالية ” و ” الفاعلية ” نقترح مايلي :
على المدى القريب ( الاني ) :
ـ على الاطارات الامازيغية ان تعلن المقاطعة للانتخابات ، وفي نفس الوقت تدعوا مناضليها للتصويت لفائدة الحزب الدي يتقاطع مع رؤيتها ـ ( وهذه هي البراغماتية في عمقها ) ، وسيودي ذلك الى :
* من جهة تحتفض الحركة الامزيغية ببريقها الدولي، وترسل رسالة الى ” الدولة المغربية ” مفادها : ان الحركة بعيدة من التطويع واللجم ” .
* تحقق مزيدا من التقارب بين مكوناتها ، بين المصوتين وبين المقاطعين، في افق فتح نقاش جاد سيفضي الى توحيد المواقف.
* تحافض على المكتسبات التي حققها الشعب المغربي وتساهم في القطع مع كل محاولات الاصوليين لارجاع المغرب الى عصور الانحطاط.
على المدى المتوسط والبعيد :
– تعميق الفهم لمستويات النسيج الاجتماعي وتفكيك البنيات الدهنية وتمثلات الافراد والجماعات في افق الاشتغال على تعبيئتها ولما لا استقطابها لتشكيل مزيد من الضغط والقوة والنجاعة النضالية.
ـ على التنظيمات الامايغية ان تشتغل للاعادة البريق الى ” بيتها الداخلي ” ، والقطع مع كل الممارسات التي تقلل من مصداقيتها.
ـ رسم معالم واضحة ” لاستراتيجية ” تستشرف المستقبل، وتقوم على توظيف الادوات التي تمتلكها الحركة الامازيغية بشكل جيد.
ـ التعبئة وتوزيع الادوار، حسب مستويات الصراع والتنافس.
– تحقيق المزيد من الاستقلالية على مستوى ممارسة المناضلين والقطع مع كل اشكال التماهي مع اية جهة يمكن ان تنسف تحقيق التحرر الفردي والجماعي لشعنا الابي.
وفي الختام نرجوا ان تكون مساهمتنا ـ المتواضعة ـ هذه نقطة من بين نقاط ساهم فيها اخرون من قبلنا من قبل كل الغيورين على القضية العادلة للشعبنا.
محمد بلقــائــد أمــايور
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.