تتميز منطقة ” ئمي ؤكادير/ فم الحصن” بتراثها اللامادي الامازيغي الذي يظهر عراقة هذه المنطقة ثقافيا و تاريخيا، و ما النقوش الصخرية التي تحتويها و بكثرة هذه المنطقة إلا علامة على عراقة المنطقة تاريخيا، لكن ما يميز المنطقة ثقافيا باعتبارها خزانا ثقافيا للثقافة الأمازيغية هو هذه الاحتفالات التي عرفت بها المنطقة و التي توحي الى عراقتها التاريخية و الثقافية. فمن بين هذه الاحتفالات:
_ احتفال “لالا تاغلا” و هي من الاحتفالات المندثرة و التي كانت تعرفها المنطقة إلى الستينات من القرن الماضي، و احتفالها شبيه الى حد ما بالاحتفال الذي يقام لميلاد الإلهة” تانيت” الامازيغية التي كانت تعبد في شمال افريقيا قبل الاسلام ( و قد سبق لي ان نشرت مقالا عن هذا الاحتفال. و لمن اراد الاطلاع على احتفال ميلاد هذه الإلهة، و الذي كان يقام في بحيرة تريتونيس بتونس حاليا، ان يرجع الى كتاب علي فهمي خشيم ” بحثا عن فرعون العربي” ).
_ احتفال ئمعشارن و هو من الاحتفالات المندثرة بدورها و الذي يقام ليلة عاشوراء ، و التي شهدت المنطقة احتفالاته السنوية إلى فترة الستينات.
_ احتفال ” لمعروف ن تركمين” و هو الاحتفال الذي سلم من الاندثار و بقي صامدا نتيجة احتضان الساكنة له باعتباره احتفالا يرتبط بالارض و بالمخيال الطقوسي الديني.
يرتبط اسم هذا الاحتفال، الذي يقيمه سكان ” إمي أكادير/ فم الحصن) في آخر يوم جمعة من شهر دجنبر، بمنتوج فلاحي تعرفه الواحة في هذه الفترة من السنة و هو ” تركمين/ اللفت المحلي” الذي ينمو في هذه الفترة، و سمي بذلك هذا الاحتفال ب ” لمعروف ن تركمين” و سيقام الاحتفال هذه السنة يوم 27 دجنبر اي اخر جمعة من هذا الشهر.
اول الملاحظات التي يلاحظها الباحث حول هذا الاحتفال الشعبي، الموسوم في الذاكرة بالعراقة، هو ارتباطه بالارض و بمنتوج فلاحي لهذه المنطقة من جهة، و ارتباطه من جهة أخرى بالاعتقاد الديني اي ب” ئكرامن/الاولياء” .
لكن الباحث يقف إلى الآن عاجزا عن تحديد أصله و زمن بدايته اي عراقته، مما يقتضي من الباحثين الشباب بذل المجهود للبحث عن أصول هذا الاحتفال المرتبط حتما بالارض و عن امتداداته في الأنماط الثقافية الاخرى. فالروايات الشفوية لا تسعفنا للغوص في تاريخه: ” هكذا وجدنا آباءنا يحتفلون به”، هذا الجواب هو اقصى ما تصل اليه الاجابات الشفوية التي تجيب عن السؤال الذي يطرح دوما : ما هو اصل هذا الاحتفال؟ و متى تم الاحتفال به؟ و ما علاقته ببعض الطقوس الثقافية الاخرى؟ أمام هذا الغموض التاريخي لا يبقى امام الباحث سوى وصف طقوس الاحتفال و ربطه ببعض الاحتفالات الاخرى المعروفة لعله يقترب من الظاهرة الاحتفالية هذه.
اولا: من حيث زمن تنظيم الاحتفال، يرتبط بنهاية السنة الميلادية، و بما ان الامازيغ يحاولون دوما في احتفالاتهم تغليفها بغلاف ديني لإضفاء المشروعية الدينية عليها كوسيلة للحفاظ على موروثهم الثقافي لما قبل الاسلام كما فعلوا ببقية طقوسهم الثقافيةالمنتنية لنا قبل الاسلام، فإن هذا الاحتفال يقام يوم الجمعة الاخير من السنة الميلادية، و تنظيمه يوم الجمعة هو اضفاء مشروعية دينية اسلامية على الاحتفال، مثل سائر الاحتفالات الاخرى التي لها عمق تاريخي ديني ينتمي لما قبل الاسلام كاحتفال ” بيلماون/ بوجلود” الذي ربطه المغاربة بعيد الاضحى لإضفاء مشروعية اسلامية عليه و تلخيصه من اصله الثقافي او الديني ( عبادة اله أمون مثلا الذي يرمز له بانسان له رأس كبش مثلا، و معروف ان هذه عبادة هذا الاله الامازيغي منتشرة في شمال افريقيا قبل ان تنتقل الى مصر و يمزجها الفراعنة بإلاههم “رع”، ليصبح إلاه جديدا ” أمون-رع” ). اضفاء الطابع الإسلامي على الطقوس الأمازيغية المتواثرة عن ما قبل الاسلام يسري كذلك على الكثير من الاحتفالات كالمواسم المرتبطة بأسماء ” الاولياء” و التي تختم اغلبها يوم الجمعة.
ثانيا: طريقة احتفال” لمعروف ت تركمين” ترتبط بالارض. يبتدئ التهيئ للاحتفال صباح يوم الخميس حيث تذبح الذبائح و غالبا تكون الاضاحي بقرا، و عددها 5 بقرات بعدد افخاد ( ئفاسن) القبيلة, حيث يوزع لحم الذبيحة على أسر الفخد الواحد بالتساوي، ليتم تهييء طعام الكسكس في اليوم التالي اي يوم الجمعة ب “اللفت البلدي ” الذي ينمو في الواحة في هذه الفترة من السنة. و قبل صلاة الجمعة ترسل كل أسرة طبقها إلى ساحة امام المسجد العتيق بالبلدة( اكثر من 400 كانون/ أسرة )، و بعد ان يتم تجميع الاطباق كلها و إحصاءها يتم المناداة لتكوين جماعات صغيرة ” ئسوراس” و غالبا ما تتكون من أربعة أفراد ليتم توزيع الاطباق عليها مع البدء بجماعات الفقهاء في المسجد. و بعد الانتهاء من الاكل يختتم الاحتفال بالدعاء الجماعي.
الأسئلة التي تستفز ذهن الباحث هي:
_ هل لهذا الاحتفال علاقة ب” ئض ن يناير” ؟ سيما ان كلا الاحتفالين يرتبطان بنهاية السنة الشمسية و بتقويمين متقاربين لا تفصل بينهما الا خمسة عشر يوما؟
_ كيف يمكن الارتقاء بهذا الاحتفال لتسجيله ضمن الإرث الوطني؟ و بالتالي ضمن الإرث العالمي؟
_ فإذا كانت بعض الجمعيات الثقافية و التنموية بالمنطقة تساهم في تنظيم مهرجانات ثقافية ( حفلات احواش و الكدرة و الهرمة… ) بموازاة مع هذا الاحتفال ، فإن امكانياتها القليلة غير كافية للارتقاء بهذا الاحتفال ليكون ارثا وطنيا، هنا يبقى دور وزارة الثقافة اساسيا لتشجيع هذا التراث اللامادي للبلد.
و لن يتأتى لنا الارتقاء بهذا التراث المادي إقليميا و وطنيا إلا إذا تظافرت الجهود المحلية من فعاليات جمعوية و ثقافية و بتعاون من المجلس البلدي ( الذي طرح مشكورا مبادرة تحويل الاحتفال الى موسم اقليمي و وطني نتمنى ان تجد طريقها نحو النجاح) و بدعم من وزارة الثقافة سيما و ان منطقة إمي أكادير منطقة التقاء الثقافة الأمازيغية الصحراوية بنظيرتها المغربية الاخرى الحسانية.
ذ. الحسن زهور.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.