الاتحاد بيتنا جميعا.
في سياق الدينامية التنظيمية الجديدة، التي أطلقتها القيادة الاتحادية تنفيذا لمقررات المجلس الوطني، استضافت اكادير، عاصمة سوس الحضن التاريخي للحركة الاتحادية، مجلسا جهويا متميزا، هب إليه مناضلو الاتحاد ومناضلاته من كل أرجاء الجهة، من تزنيت وتارودانت ، ومن اشتوكة وانزكان، ومن جبال إداوتنان. قيادات اقليمية ومحلية، منتخبون ومنتخبات، نساء وشباب، من كل الأجيال، جاؤوا يحملون أسئلة حارقة حول راهن الحزب والوطن، وهموم الناس وانشغالاتهم في السهل والجبل، بشأن الماء و”الحلوف”، وباقي متطلبات الحياة في حواضر الجهة وبواديها البعيدة. وكان اللقاء الذي أعاد الدفء للمكان، وأحيى الأمل في النفوس، بعد انتظار كان ضروريا للتأمل في ما جرى ذات انتخابات كانت نتائجها محبطة وغريبة عن مجرى التاريخ النضالي التقدمي لأهل سوس الأشاوس.
التأم المجلس في ظل شعار يقر ضمنيا بأعطاب كانت سببا في انحراف النهر عن مجراه، ويرسم الملمح الرئيسي لما يجب أن يكون عليه التنظيم الاتحادي جهويا في المستقبل، ليكون الاتحاد قادرا على استعادة دوره في تأطير المواطنين وفق فلسفة سياسية تتسم بالعقلانية وتستلهم القيم الوطنية والديمقراطية في انسجام وتكامل.
وكان اللقاء الذي أضفت عليه مداخلة عضو المكتب السياسي، الوزير الفيلسوف، مسحة متميزة امتزج فيه التأمل الفلسفي بالتحليل السياسي، والواقعية الصارمة بالقدرة على إبداع البدائل، والإنصات للشارع دون التفريط في ثوابت الحزب وتوجهاته، والإصغاء للمناضلين مع الحرص على تقويم التمثلات والمواقف.
مداخلة سي محمد “تلميذ” عبد الرحيم السياسي، و محمد الجابري الفيلسوف، ومحمد جسوس السوسيولوجي، أعادت للخطاب السياسي مسحته الفلسفية وعمقه الفكري، حيث يكمن تميزه، ومن حيث يستمد قوته. لم يتوقف القيادي الاتحادي عند التفاصيل، سوى إن كان التوقف ضروريا لتوضيح فكرة؛ وإنما أثار أسئلة إشكالية تحتاج إلى إعمال الذكاء الجماعي الاتحادي لبلورة إجابات نظرية وعملية نابعة من تحليل ملموس لواقع ملتبس وسريع التحول.
وإذا كان تجديد الفكر الاتحادي والتنظيم الاتحادي ضمن جدلية إيجابية صاعدة، تبدأ من تشخيص نوعي لما هو قائم مجتمعيا وحزبيا، وطنيا وإقليميا ودوليا، اقتصاديا وثقافيا وسياسيا، ومن تقييم تاريخي للتجربة الاتحادية في إطار التجربة المغربية في شموليتها، إذا كانت هذه المهمة جماعية ومنفتحة على كل المثقفين التقدميين، فإن المحاضر لم يتوان في إبراز بعض الإشكالات وتقديم عناصر للإجابة عنها:
– أهم أسباب مشكلات الاتحاد وربما كل أحزاب اليسار، تقادم النموذج التنظيمي الذي كان يمتح من نظريات في التنظيم تستمد مفاهيمها وأطروحاتها من الاشتراكية العلمية والتجارب الثورية الكلاسيكية.وبالنظر للتغيرات الكبرى والتحديات الجديدة صار لزاما على الاتحاد بناء نموذج تنظيمي جديد يتيح استيعاب الطاقات الفاعلة الجديدة في المجتمع ويتسلح بتكنولوجيا الاتصال الحديثة ويطلق عنان المبادرات المحلية. نموذج يتأسس على اللامركزية ويستجيب لمتطلبات الجهوية ويسهم في فرز نخب جهوية قادرة على خدمة التنمية المجالية والتنمية المحلية.
– ضرورة تجاوز بعض المفارقات التي تؤثر سلبا على وعينا الجمعي وعلى مواقفنا مما تعرفه بلادنا من توترات اجتماعية وتدافع سياسي وتناقض بين الخطاب والممارسة لدى أحزاب تنتمي للأغلبية الحكومية وينتقد زعماؤها السياسة الحكومية نفسها، مما أدى على التباس في المواقف وإلى اصطفافات غير طبيعية لا مثيل لها في العالم. هذا الالتباس في المواقف لدى الفاعلين السياسيين كان له مع الأسف اثر على بعض الاتحاديين الذين انساقوا مع خطابات تشكك في المؤسسات وفي المسار الديمقراطي، وترى في الدولة ومؤسساتها عدوا، بما فيها الأحزاب والمؤسسات التي انتخبها الشعب، وقبلت كل الأحزاب القانونية بالمشاركة فيها والعمل من داخلها، طبقا لدستور اعتبره الجميع دستورا متقدما.
– الاتحاد حزب ديمقراطي حسم في اختياراته الإستراتيجية، وفي صلبها العمل الديمقراطي المؤسساتي الذي لا يلغي نضالات الشعب من اجل الديمقراطية والحياة الكريمة وصيانة الوحدة الوطنية وتوطيد الاستقرار، في إطار دستور البلاد ومقتضياته. ويعمل الاتحاد من اجل دولة قوية بالمعنى الايجابي، أي دولة الحق والقانون والمؤسسات ذات المصداقية والشرعية الشعبية، وهي الدولة القادرة على قيادة الإصلاح والتحديث. ومن يرى في الدولة عدوا للشعب دون أن يستفتي الشعب نفسه في الموضوع، لا يسعى إلى تقدم الوطن وإنما غايته تقويض مقومات التقدم والدفع بالوطن إلى المجهول.
– رهان دمقرطة الدولة والمجتمع يصطدم بمعوقات جمة، أقواها على الإطلاق بنيتان متقابلتان: البنية المخزنية الثاوية في طيات النظام السياسي الحديث من جهة، والمجتمع العميق الذي تحكمه ذهنية أصولية محافظة. غير أنه لا خيار للديمقراطيين من اختيار سوى مزيدا من التشبث بالاختيار الديمقراطي.
مداخلة عضو المكتب السياسي أثارت نقاشا مثمرا، وصفه المتدخل بالعميق والناضج والمتميز. والحقيقة أن المتدخلين مارسوا نقدا للذات الجماعية، لكن هذه المرة، دون تجريج للذات أو جلد للآخر. وكان النقد الذاتي في جل المداخلات مقدمة للتفكير في المستقبل وتقديم تصورات لإعادة البناء التنظيمي في جهة لا يخفى انتماؤها الصميمي للمشروع الاتحادي وعطف ساكنتها على الاتحاد.
وكانت التوصيات الواردة في البيان الختامي محل إجماع، وتجسيدا لإرادة جماعية تبعث على الأمل في مستقبل قريب يعيد الاتحاد قويا لسوس، ويعيد سوس، تقدمية ديمقراطية، للإتحاد. فحيى على العمل … الاتحاد بيتنا جميعا مهما اختلفنا، مهما غضبنا، مهما حاول بعضنا أن ينسى هويته. فاليد ممدودة لكل من يسكنه بصيص من الأمل..
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.