كثير من المغاربة لا يعرفون أن الأب جيكو، إسم ملعب بالدار البيضاء، هو في الحقيقة ليس ملعبا فقط، وليس هذا هو إسمه الحقيقي وليس فقط لاعب بيضاوي مغمور خرج من احد أحياء مدينة أنفا ليصبح لاعبا رياضيا مؤسسا للمرة المغربية من خلال إنشاء الفريقين البيضاويين ،وداد الأمة والرجاء العالمي .
الأب جيكو هو لقب لرجل من جهة سوس ماسة من إقليم طاطا وبالضبط من جماعة إسافن بقبيلة أيت هارون الموجودة بين طاطا وتارودانت ، ولأنه ينحدر من سوس فهو أمازيغي ، ” شالح” وإسمه الحقيقي هو محمد بلحسن العفاني، ويقال له كذلك التونسي، هو مؤسس الكرة المغربية الحديثة ومؤسس الفريقين المشكلين للعمود الفريق للكرة المغربية.
كتب عنه موقع الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة SNRT ، ونسبه إلى نواحي تارودانت ، لأن منطقة إسافن كما أشارنا هي في الحدود بين طاطا وتارودانت، رغم أن إسافن اليوم جماعة ترابية تابعة لإقليم طاطا.
وقال عنه الموقع، وهو أمر صحيح، أن سيرة حياته تصلح فيلما كبيرا ، نتمنى تبادر الشركة وقنواتها الإعلامية المتعددة إلى إخراج هذا الفيلم إلى حيز الوجود، وتعرف الأجيال الحالية بأحد صانعي أمجاد الكرة المغربية، وتنبش في سيرة حياته، بشكل يصحح الكثير من المغالكات حولةسيرة الرجل، من أصله إلى فصله وكيف تبوأ مكانة مرموقة في ملاعب الكرة وفي عالم الكتابة والكتب وفي مجال الصحافة.
فحياته، كما كتب صحافي الموقع المذكور، المذهلة أشبه ما تكون بصورة مركبة (Puzzle)، كلما أمعنت في جزء منها أخذك بمفرده إلى البعيد. وهكذا بالنسبة إلى بقية الأجزاء. وكلها تشكل صورة فريدة؛ صورة الرجل الذي اخترع كرة القدم المغربية، وقسم هواء الدار البيضاء إلى أحمر وأخصر.
إنه شيء يكاد لا يصدق أن يتخلى شاب، من أوائل الذين حصلوا على شهادة الباكالوريا في تاريخ المغرب (1919 / ليسي ليوطي)، وعلى الإجازة في الاقتصاد من فرنسا، عن طموحه المهني، وقد صار موظفا في بنك الجزائر، لينخرط في مسار جديد، كله هواية، ومحفوف بمخاطر كبيرة؛ هو مجال التدريب.
أي نعم، فقد قرر محمد بلحسن العفاني، التونسي، والذي درس بالمدينة القديمة بالدار البيضاء، وأتقن ست لغات، أن ينهي علاقته بالبنك، ويهتم بكرة القدم. فمن لاعب هاو، إلى عاشق مفتون بالكرة، إلى مؤسس للوداد، مع ثلة من الرجالات المثقفين، إلى صانع الرجاء بأسلوب “دقة دقة”، إلى أسطورة.
سيكون الأب جيكو صاحب قرار مع صديقه محمد بنجلون سنة 1939، وهما يقترحان تأسيس فرع لكرة القدم لنادي الوداد الرياضي. وسيصير كاتبا عاما لهذا الفريق، ومدربه؛ بل سيصبح الرجل التنفيذي الذي يضطلع بكل ما يعني الفريق على الأرض، وصانع مجده في الملاعب أيام الحماية، بعدد لا حصر له من الألقاب، وعدد أكبر بكثير من المواقف المشهودة.
ولأنه كان لاعبا، ومثقفا؛ يأكل الكتب أكلا، وصحافيا أيضا، حين يلزم الأمر (له حوار مشهود مع الجوهرة السوداء العربي بنمبارك)، فقد حظي، طيلة فترة الحماية، باحترام وإجماع من كل فعاليات كرة القدم في المغرب وخارجه، لا سيما في شمال إفريقيا، حيث برز الفريق الأحمر على الصعيد الجهوي بعد التميز على الصعيد الوطني.
ومثلما يحدث مع أبطال الروايات الكبيرة والمثيرة، حيث تأتي بعض الشخصيات بوقائع مفاجئة تماما، فقد قرر الأب جيكو، سنة 1956 أن ينهي علاقته المهنية بالوداد الرياضي، ثم ينتقل إلى الرجاء الرياضي، باعتباره مدربا ثانيا له في مرحلة أولى، إلى جانب تلميذه العزيز عبد القادر جلال، ثم مدربا فعليا، جاء بأسلوب لعب جديد، هو أسلوب اللمسة الواحدة، المستوحى من كرة القدم اللاتينية، وهدفه الأساس هو الفرجة، والفرحة أيضا.
من بين الأشياء التي تميز بها الأب جيكو المدرب كونه “اخترع” مع الوداد ثلاثيا خطيرا ومروعا؛ مكونا من عبد السلام والشتوكي وإدريس. وحينما حط رحاله بالرجاء، “اخترع” له ثلاثيه أيضا، والذي كونه من موسى وبهيج وبهيجة. وكان الرجل يتعامل مع اللاعبين، وبخاصة الثلاثي، معاملة خاصة للغاية، فيها حنو الأب وحزمه، وصرامة المدرب، الذي يريد النتيجة، ومحبة الجمهور، الذي يبحث عن المتعة.
في يوم 29 غشت 1970 سيُنْعى محمد بلحسن العفاني بدرب بوشنتوف (درب السلطان). وسيرافق جثمانه كثيرون إلى المقبرة. وسيبقى اسمه مكتوبا على ملعب من ملاعب الدار البيضاء التاريخية، ومحفورا في تاريخ كرة القدم المغربية، التي أعطاها حياته، وأعطاها الوداد والرجاء، والديربي البيضاوي، وأكثر من ذلك، أعطاها أسطورة تستحق أن تحكى، ويستمتع من تروى له.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.