*عبداللطيف وهبي//
من الصعب أن نخرج حزب الأصالة والمعاصرة من منطق الأزمة، فأزمة الإيديولوجيا خلقت أزمة التنظيم وكلاهما سيخلق فيما بعد أزمة السياسة.
فإذا كانت السياسة تعني بناء المواقف من قضايا الشأن العام والعمل ضمن المؤسسات الدستورية، فإن هذا الفعل مرتبط بأساس فكري وهو الإيديولوجيا ويستند على طبيعة التنظيم وحجمه وقدرته على الضغط لتمرير الموقف الحزبي، لذلك سنلاحظ أن مواقف الحزب لا تختلف عن حالتين اثنين: إما أن تكون خجولة، وإما أن تكون عنيفة لدرجة زعزعة فكر الرأي العام، ليس فقط لوجود الحزب في وضعية الأزمة التي أشرنا إليها سابق “أزمة الإيديولوجيا وأزمة التنظيم”، ولكن في بعض الأحيان لكون الحزب يمارس السياسة بناء على ردود أفعال أو بناء على حسابات ظرفية قد تكون مرتبطة في بعض الأحيان بعلاقات شخصية، مما يفقده ذلك الخط الناظم الذي يجب أن يحكم مواقفه وأن يوجهها في اتجاه أنه فاعل في القرار السياسي العام وليس منشئا له، أي بشكل آخر هل علينا أن نتواضع سياسيا فنتموقف من القضايا بناء على ما نملكه من طاقات وليس على ردود أفعال أو حسابات ظرفية؟.
إن صعوبة ممارسة الحزب لهذه القناعة تصطدم وطبيعة الحجم السياسي للشخص المؤسس وما يملكه من مواقف، وحين حان الوقت ليدرك الحزب نفسه وكذلك محيطه أنه برحيل مؤسسه منه قد فقد الحبل السري مع أية جهة كانت قد توجه مواقفه مستقبلا أو حتى أن يبني عليها خططه السياسية مستقبلا، مما يفرض إعادة هيكلة الحزب على المستوى الإيديولوجي والتنظيمي، غير أن هذا العنصر ثم تجاهله سياسيا لرغبة دقيقة في توظيف حضور وهمي للشخص المؤسس.
إن مواقف الحزب والتي ترتطم أحيانا بمواقف شديدة الجرأة إلى درجة الرعونة السياسية، غالبا ما تصطدم بالآخر الذي سرعان ما يختبئ وراء الدين أو وراء التقاليد ليجيش الرأي العام ضد حزب الأصالة، ثم سرعان ما يجد الحزب نفسه في حالة الدفاع عوض المبادرة فيدخل في تبريرات قد لا تقنع الرأي العام.
إن العمل داخل المؤسسات الدستورية يقتضي توضيح الرؤيا وقبول الآخر من منطق أن الحزب ليس في حالة حرب، ولكنه في حالة نقاش مفتوح، وأعتقد أن هذه هي الممارسة الديمقراطية الحقة، غير أننا سنكتشف أن هناك ثقافة لدى أعضاء الحزب تكمن في أن مواجهة الآخر هي محور العملية السياسية علما ومن سخرية السياسة أضحى الآخر يعيش نفس المأزق، وهكذا ترهن هذه الممارسة مواقف الحزب السياسية كلها في مواقف ترمي إلى محاولة توريط الآخر في صراع لا طائل منه ودون التفكير في بناء مواقف تؤطر المجتمع وتبني أسسا موضوعية للحوار حول قضايا تهم المصلحة العامة.
إن الحزب قد انحرف عن الهدف الذي أنشأ من أجله من خلال كثير من المواقف تارة يعلنها وتارة يمررها في تحالفات مع أحزاب أخرى، هذه التحالفات التي بعد نتائج الانتخابات اضمحلت لتصبح نوعا من التنسيق فقط، وهذا ما يؤكد أنه حتى التحالفات لم يبنيها الحزب على تعاقد سياسي أو اتفاق مسبق، ولكنها بنيت على منطق “الحمية” وهو ما جعل التحالف يتفكك بسرعة، لأنه لم يكن مبني على إستراتيجية محددة يتفق عليها مع أحزاب المعارضة بشكل يجعل البناء الديمقراطي هو الهدف وتحقيق الانتصار السياسي نتيجة حتمية عن بلوغ الهدف الأول.
فالحزب كان يعتقد أنه يمكن أن يلعب دورا أكبر من حجمه، لكونه كان يملك علاقات حتى داخل التحالف الحكومي مع أحزاب كانت قريبة منه سابقا، غير أنه لم يدرك أن تلك الأحزاب هي أحزاب إدارية يتحكم فيها منطق الوظيفة الناتج عن الإدارة، بل حتى التحالفات على المستوى الحكومي لم تكن مبنية على استراتيجية واضحة كذلك فأحزاب الإدارة من خلال تحالفها مع الحزب الذي يتزعم الأغلبية تحولت إلى مجموعة من الموظفين لدى هذه الحكومة وليست أحزاب قوية ممثلة بوزراء كما يعتقد كثيرون، وبالتالي هذه العلاقة التي كانت للحزب مع أحزاب الإدارة الموجودة في الحكومة فرضت على حزب الأصالة والمعاصرة القيام بمعارضة تتسم بنوع من الانتقائية مما أثر على مواقفه داخل المؤسسات والساحة، فأصبح يمارس هذه المواقف على شاكلة مشية الحمامة تاركا غراب الحكومة يسخر من الحزب سياسيا.
إن معارضة الحزب للحكومة تقتضي التعامل مع هذه الأخيرة كوحدة سياسية ببرنامج موحد، وعليه أن يعارضها في وحدتها وكذلك في توجهاتها، لا أن يتردد في مواجهة هذا الطرف دون ذاك، فحتى الأحزاب داخل الحكومة القريبة من حزب الأصالة والمعاصرة والتي كان ينتقيها في فعل المعارضة كانت مخلصة في مواقفها لأحزاب الأغلبية داخل الجهاز الحكومي، فلماذا إذن نقدم لها هذه الخدمات المجانية؟.
إن الممارسة الانتقائية للمعارضة إضافة و أسلوب بعض المواقف العنيفة التي لم يتوفر الحزب على بعض شروطها داخل الوطن، جعل الحزب يفقد مصداقية مواقفه السياسية العلنية، فليس للعلاقات الشخصية بين قيادات الحزب مع قيادات أخرى من مؤسسات حزبية أخرى الحق في تغليف مواقف الحزب والحد من موضوعيته.
إن أهم ما يمكن أن ينقذ الحزب من هذه الأزمة هو أن يكون مستقلا في مواقفه عن أية جهة كيفما كانت سواء مبنية على المصالح الصغيرة أو الصداقات الشخصية، ثم على الحزب أن يأخذ بعين الاعتبار أن المجتمع المغربي مجتمع محافظ إلى حدود قصوى وأن مواجهته المباشرة والعنيفة في كثير من مكوناته الفكرية والعقدية والتقليدية هي التي أفشلت اليسار سابقا وستفشل الحزب لاحقا.
إن الذي سمى الحزب بالأصالة والمعاصرة كان مدركا أنه من الضروري أن يؤسس الحزب مواقفه على إلمام عميق وموضوعي بأصالته المستندة على 14 قرنا من التراكمات، ليستند عليها ويستشرف المستقبل خدمة لتطوير المجتمع ووسائل إنتاجه وكذلك مؤسساته الدستورية.
إن الحزب لا يمكن أن يحقق نجاحات سياسية إلا إذا استطاع أن يخلق تصورا فكريا يجعل الأصالة في انسجامها مع المعاصرة، وبشكل مستقل في خدمة الأهداف الوطنية الكبرى كقاعدة أساسية لبناء مواقفه السياسية.
**محام ونائب رئيس مجلس النواب باسم الأصالة والمعاصرة
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.