وأنا راجع إلى البيت، وقع نظري على مرأة بجانبها أولادها يفترشون الأرض في هذا البارد القارس ، إقتربت منها ، ملامحها متعبة عيناها تخفيان حزنا قديمااااا. سألتها ما بك!! وما فعل بك الزمان !!! أجابتني :
أن أسمها ربيعة واحدة من ألاف الأيادي العاملة التي تشقى في مصانع أثرياء أكادير ، سبعة وثلاثون سنة أرملة تعيش مع أبنائها في الشارع ، نقط متجمدة من الدماء تحت عينها تشرح كل شئ، لا بد أنها عاركت أحد الأوغاد الليلة الماضية دفاعا عن شرفها بين أزقة هذه المدينة المتوحشة، كانت تتحدث وترتجف ، كلماتها محبوسة في حنجرتها كما لو كانت حجارة ضخمة تسد ممرا ضيقا. سألتها لماذا تعيش في الشارع ؟ ولماذا أبناؤها لا يذهبون إلى المدرسة.
فشرحت لي أن قصتها إبتدأت بفدان ونصف اشترته من شخص اسمه م.ع. ب اولاد برحيل تارودانت وشيدت فوقه مسكنها الذي تعيش فيه رفقة إبنيها سعيد وغزلان ، سافرت الصيف الماضي لتزور عائلتها بقلعة السراغنة وعندما عادت وجدت أن أقفال بيتها تم تغيرها ووجدت أشخاصا أخرين غرباء يسكنون في البيت ولم تعثر على شىئ من أثاثها، وعندما ذهبت إلى مقر الدرك الملكي وإستفسرتهم عن الأمر أخبروها أن بيتها تم بيعه من طرف الشخص الذي إشترت منه الفدان ونصف . رفعت شكاية إلى وكيل الملك وأخرى إلى الله وهي الأن تعيش مع إبنيها سعيد وغزلان في الشارع وينامون في الأزقة. سمعت حكايتها ووعدتها أني سأكتب عن مأساتها.
وصلت إلى البيت وكان دماغي يموج بمواضيع كثيرة ….هموم…و مظالم…. كل واحدة تنسيك في الأخرى مآس تبعت على الضحك لفرط غرابتها . تركت كل شئ وإنشغلت بربيعة ، وتساءلت مع نفسي أين يمكن أن تكون الأن؟ بينما أنا جالس في الصالون البيت الدافئ أتناول شاي ما بعد الأكل وأتجول بين القنوات الفضائية ، أين يمكن أن يكون النهار القاسي قد إنتهى بربيعة و سعيد وغزلان …. هل أكلوا من بقايا مطعم …هل يتجولون بين المقاهي بحثا عن ثمن الخبز والحليب….هل يتسولون أمام المساجد.
وأنا أسحب فوقي غطائي الساخن سألت نفسي هل يفترشون عتبة إحدى العمارات في هذا الليل ….هل يتوسد سعيد وغزلان ركبة أمهما ….أم تراها تركتهم يتوسدون الطوار وذهبت تبحت لهم عن ألواح الكرتون لكي تدفئهم وتغطي أجسادهم الغضة عن عيون سكارى أخر الليل…. ولم أستطيع أن أغلق عيني ، وهجرني النوم وتساءلت مع نفسي كيف يستطيع وزير العدل أن ينام وفي البلاد كل هذا الظلم …
كيف يسمح هؤلاء المسؤولون لأنفسهم بالظهور في التلفزيون لكي يفتحوا أفواههم الواسعة ويتحدثوا عن المكانة المتميزة التي أصبحت تحظى بها المرأة في المغرب ، هل جرب أحدهم أن ينام ذات يوم مع أبنائه أمام عتبة إحدى العمارات المتسخة, هل كان سيعرف كيف يجيب أبنائه لو سألوه : بابا لماذا ينام الأطفال الأخرون في بيوتهم بينما نحن يجب أن ننام على قارعة الطريق …..
تقلبت في فراشي باحثا عن خيط النوم الضائع ، وجه ربيعة المثخن بالحزن ظل يلاحقني، نقط الدم المتجمدة تحت عينيها تطاردني ….. شفتيها المرتجفتان تمسكان بخناقي،…. وقفتها المكابرة تعنفني وتقول لي أن أنقل محنتها إلى رجل ما، أو إمرأة ما، في هذا البلاد يستطيع أن يعيد إليها مفاتيح بيتها الصغير وأثاثها البسيط الذي إشترته بعرق جبينها. لست أدرى لماذا سكنتني هذه المرأة ، ربما رأيت فيها أما تتوسل لكي نقف بجانبها ، ربما رأيت فيها أختا كبرى خرجت تواجه العالم بل زوج يقف إلى جانبها ، ولا عائلة تسند ضعفها وسط غابة الذئاب البشرية هذه، ربما كانت ستكون هذه المرأة أمي …
وكنت سأكون أنا هو سعيد الذي يختفي وراء ظهرها بخجل، أو غزلان ذات سبع سنوات، أي حقد كان سيكون لدي عندما سأكبر على بلاد سمحت أن تطرد أمي من بيتها لتربينا في الشوارع مثلما تربي القطط أبناءها . أي ألم كان سيكون في قلبي عندما سأرى أختي تبتعد عني وريدا … وريدا ، لتدوس عذريتها عجلة المدينة العملاقة ، أي غد سيكون لي …..أي أب سيطعمني من جوع…. وأية أم ستعلمني الحنان… أية عائلة ستكن لي …. وأي وطن سأكون له. هكذا قدر لهذا الشعب أن يعيش تحت وطأة الكأبة المزمنة التي تسكن القلوب والصدور وتقصر الأعمار . تسأم رؤية كل هذا الظلم دون أن تكون قادر على فعل أي شئ لصالح المظلومين …..
وهذا المنكر دون أن تكون قادر ا على تغيره. قلت في نفسي سأكتب عن ربيعة وسعيد وغزلان ومفتاح بيتهم الضائع ، فربما يقرأ قصتهم رجل شهم أو إمرأة فاضلة ، فيكون هناك من يطعمهم من الجوع ويؤويهم من برد. لكل من سيبحت عن عنوان ربيعة سيجدها في تالبرجت أكادير …. وكل واحد منكم سيجد في مدينته أمثال ربيعة ، فربيعة ليست سوى الشجرة التي تخفي الغابة هناك ربيعات مثلها بالآلاف.. وسعداتك أفاعل الخير. تحياتي لكم ..
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.