أين وصلت إنتفاضة فبراير 2011 في ليبيا؟
محمد شنيب – طرابلس فبراير\مارس 2022
هذه إنتفاضة فبراير2011 مع بقية الإنتفاضات في بعض الدول المجاورة لليبيا مجاراتآ لهذه الدول من ناحية ظاهرية فقط لكن من ناحية الحاجة لها في ليبيا وواقعيتها وهي الأساسية لقيامها وأكثر موضوعية كان بهذف تنحية ديكتاتورية ظالمة ومتفاقمة التوحش مبنية على طموحات فردية وأنانية معقدةتلك الديكتاتورية التي تحولت إلى قبلية عروبية ضيقة ومن بعدهااإلى عائلية تنوي ثوريت الحكم إلى أبناء القذافي وعلى رأسهم إبن القذافي والمسمى “سيف الإسلام” وإستمرت هذه الديكتاتورية لمدة إثنان وأربعين عام ولم تُعرف مثلها دول الجوار والمنطقة ولا حتى في جنوب الصحراء بالقارة الأفريقية.
وللرجوع إلى أيام حدوث تلك الموجة التي هزت منطقة الشمال الأفريقي و الشرق الأوسط والتي سميت خطأ ب” الربيع العربي” بمنطق القومجيون العروبيون ،وللأسف تبنت دول العالم هذه التسمية ، التي إبتدائت في تونس لتصل إلى اليمن وسورية بعد مرورها ب ليبيا ومصر… والملاحظ أول شيئ هو فراغ وعدم وجود أي مضمون سياسي وإجتماعي وثقافي واضح ومحدود وبالذات في ليبيا التي كانت كانت قياداتها ليس لها وعي سياسي وكان الحماس هو من حرك وقود تلك الإنتفاضات من شباب طامح وطامع في إيجاد الطريق الذي سيؤدي بهذه الأوطان إلى التخلص من القوى المتخلفة والتي سيطرت عليه لعقود زمنية إستمرت فيها في نهش الثروات. وترسيخ الظلم والتخلف الإجتماعي والسياسي وتعميق الجهل الثقافي ؛وهذا هو ما جعل الطريق مفتوحآ على مصراعيه ليتدخل الإتجاهين الإسلامي والقومجي العروبي لمحاولة إحتواء تلك الإنتفاضات الشعبية والتي كانت عفوية في محتواها وبدون أي إتجاه سياسي كما سبق وأن ذكرت، بل كل ما كانت ترغب فيه الجماهير المنتفضة هو إزالة تلك الحكومات والقيادات الفاشية والظالمة المنحنى وكل ماكانت تطمع فيه هو الإتجاه نحو دمقرطة هذه البلدان والسير بها نحو الدولةالمدنية دولة الحداثة والمواطنة الذي يعترف فيها بحقوق كل المواطنين على قدم المساواة رجال ونساء ويلغي الأحادية الثقافية والسياسية.
غير أن تدخل الإتجاهين القومجي العروبي والمتأسلم المتخلف والذي غذاه ودعمه تدخل الدول الكبرى والذي ركز جهوده لإجهاض الإنتفاضة الليبية وذلك لما لليبيا من موقع إستراتيجي جغرافي ولما لها من سواحل تصل إلى حوالي 2000 كم عل شواطئ تقع وسط البحر المتوسط وفي قبالة الشواطئ الأوروپية وبالطبع مازاد من أهمية الشواطئ الليبية هو أن ليبيا تحتوي على أكبر إحتياطي نفطي في القارة الأفريقية وكذلك إحتياطي من الغاز ووجود خط غاز يصل بين ليبيا وجزيرة سيشيليا الإيطالية علاوة على أنها الواجهة الشرقية للمغرب الكبير .
المهم في هذا السيناريو هو إستمرار الإنتفاضة الليبية لمدة زمنية أطول بكثير من تلك التي قامت في تونس وفي مصر حيث إستمرت الإنتفاضة الليبية لمدة تصل إلى ثمانية شهور حتى تمكنت من إزاحة ديكتاتورية القذافي وعائلته وذلك بتدخل حلف الناتو لمساعدة تلك الإنتفاضة في هذه الإزاحة الصعبة.
لم يكن كلآ من الإسلاميين من جهة والقومجيين العرب والإنتهازيين العسكر ممثلين في المهزوم العقيد “حفتر” بعيدين عن هذا المشهد وحاول كل منهم في السيطرة عل الإنتفاضة وبداء تحالف كل منهم بالقوى والدول الإجنبية ذات المصالح الإسترتيجية في ليبيا إبتداء من الدولة السعودية الوهابية ودويلة الإمارات ومصر الجارة لليبيا من ناحية ومن الناحية الأخرى كانت جماعة الإسلام السياسي بقيادة الإخوان المسلمين قد تحالفت مع وتركيا (الحالمة بإرجاع الخلافة العثمانية) ودويلة قطر الغنية بإحطياتات الغاز الطبيعي والبعيدة عن شواطئ أوروپا من ناحية أخرى .
بينما كان الشعب الليبي ونشطائه السياسيين ( الذين لم تتح لهم الفرصة سابقآ في مزاولة النضال الحزبي علانية لا في أيام المملكة ولا في أيام الديكتاتور القذافي ) والوطنيين منشغلين في الأجواء الحديثة والتي إحتوت على شيئ من الحرية والديمقراطية التي سادت ليبيا بعد نجاح إنتفاضة الشعب الليبي في فبراير 2017 وإزاحة نظام الديكتاتورية القذافية العائلي وشرعت هذه القوى الوطنية المختلفة بعد إتاحة العمل السياسي الحزبي علانية ،في إنشاء اللبنات الأولى للأحزاب الوطنية والتنظيمات الهادفة إلى تأسيس الحداثة ووضع ليبيا على مسار الديمقراطية والعلمانية (1) وتم تأسيس أحزاب ذات أهذاف تحقيق الديمقراطية العلمانية والحداثة والإبتعاد عن الخط الأحادي والذي كان يتولاه كلا من الإسلام السياسي. والقومجيين العروبيين؛ ولا شك إنعكس هذا الإتجاه الديمقراطي على نتائج أول إنتخابات ديمقراطية وشفافة على إنتخاب المؤتمر الوطني (الپرلمان) في شهر يوليو عام 2012 التي كسب فيها هذا التيار وعلى الصعيد الحزبي أغلبية حزبية تمكنه من تشكيل حكومة،غير أن الإسلاميين بقيادة الإخوان المسلمين والإسلام السياسي تمكنوا من شراء دمم المنتخبين على صعيد الأفراد وا لأعضاء في المؤتمر الوطني وذلك بدفع وبتأييد من الدول الإسلامية الأجنبية (تركيا ودويلة قطر) وهكذا تمكن الإسلام السياسي من الحصول على الأغلبية الپرلمانية التي فتحت الطريق أمامهم وتغيرت الأغلبية إلى صفهم وتمكنوا من تكوين الحكومة .
هنا تحرك العسكر بقيادة العقيد المتقاعد “حفتر” وبدعم من التيار القومي العروبي السعودي الوهابي ودويلة الإمارات العربية والنظام العسكري في مصر الجارة الشرقية لليبيا التي بدأت تساورها مطامع التوسع إلى الشرق الليبي في “برقة” في محاولة في حل مشاكل الإنفجار السكاني الذي تعاني منه منذ سنوات وتفشي البطالة بين سكان مصر وقيام إريتريا ببناء “سد النهضة” والذي سيحجم كمية مياه نهر النيل التي ستصل إلى مصر وتهديد المنتجات الزراعية المعتمدة على الري ..زِد على هذا تعطل هيئة الدستور الليبية المنتخبة وذلك بعد أن سيطر عليها التيار القومجي العروبي الأحادي الذي رفض الإعتراف بوجود المكونات الثقافية المختلفة التي يتكون منها المجتمع الليبي وتحديدا المكون الأمازيغي أصل السكان الليبيين الأصليين منكرآ الإعتراف بهم وبلغتهم ؛ وهذا أدى لعدم ظهور الدستور وطرحه للإستفتاء من الليبيين.
في هذا الوقت دفع “القومجيون العروبيون” ببيدقهم العقيد المتقاعد “حفتر” الذي إدعى بأنه سينقذ ليبيا من إرهاب العصابات الإسلامية وشكل عصابته التي سماها (القوات العربيةالمسلحة) وسارع من يدعون أنهم “مجلس البرلمان ” ورئيسهم الذي كان مايزال مستمرآ يدعو إلى مبايعة الديكتاتور القذافي أثناء وخلال قيام الإنتفاضة وبالتحديد في شهر يونيو 2011 المسمى “عقيلة صالح”. قام “عقيلة صالح” بتنصيب “حفتر” قائدآ عام لجيشه المسمى “القوات العربية المسلحة” وأعطاه رتبة “مشير” لهذه الميليشيات؛ وكان هذف هذا العقيد والمشير هو الوصول إلى الحكم والسلطة؛حيث أن إدعائته لم تكن أبدآ إبعاد التيار الإسلاماوي والإسلام السياسي من ليبيا حيث أنه كان يتحصل على الدعم من التيار السعودي والوهابي ليس هذا فقط بل كان حريصآ على أخد التوجيهات وإستلام تعليمات ممن يسمون أنفسهم “المداخلة”(2) في تسيير تحركاته العسكرية وخطته الهجومية، هذا بالرغم من إدعآته الكاذبه برغبته في تطهير البلاد من إرهاب التيارات الإسلامية المتطرفة.
وقام بعدوانه بهذه الحجة الكاذبة ودمر مدنآ ليبية والتي ماتزال شاهدة على عدوانه الغاشم وتدميره للبنى التحتية لها في بنغازي ودرنة وبالذات على طرابلس الذي إستمر لشهور حتى تمت هزيمته حيث حتى اليوم مازال تُكتشف المقابر الجماعية التي كانت تقوم بها عصاباته أثناء هجومه الغاشم ..
والآن نجد هذه الوجوه (هي التي تتولى تقرير مصير ليبيا، “الپرلمان”” والذي إنتهت صلاحيته منذ 2015 والذي يغلب على إتجاهاته السياسية الطابع العروبي والذي تسيطر عليه السعودية والإمارات ومصر ويتم تسييره من قبل “عقيلة صالح” وعصابات العقيد المتقاعد “حفتر” وكلاهما لا يهتمان بليبيا بل بمصالحهما الشخصية الضيقة والتي يتغلب عليها السيطرة القبلية والجهوية العروبية، وبقايا “المؤتمر الوطني” والمتمثل فيما يسمى “المجلس الأعلى للدولة” (3) ، هذا الكيان الكاذب والذي صنع من قبل المجتمعين في ما يسمى إتفاق الصخيرات في عام 2015 لإيجاد حل تلفيقي بين “المؤتمر الوطني” الإسلامي والإخوانيين والواقع تحت تأثير وسيطرة “تركيا العثمانية” الإتجاه و”الپرلمان” العروبي الإتجاه
وتسيره مصر بتعليمات من كل من دولة السعودية الوهابية وحاضنة فرقة “المداخلة” الشديدة الإنتماء إلى السلفية الدينية ومن ورائهم الحكومة الفرنسية وروسيا .
بعد أن إستغلت “تركيا العثمانية” الموقف لصالحها متظاهره بمساندة الشعب الليبي بتحالفها مع التيارات الإسلامية لسبيل تحقيق مصالحها، طفح الخلاف بين فرنسا وإيطاليا بالدرجة الأؤلى، وكان لهذا الطفح إنعكاس على تذبذب وتضارب مواقف الدول الأوروپية من ليبيا ولاشك نقل هذا التضارب إلى مستوى مجلس الأمن في مواقفه المختلفة تجاه ليبيا.
“الدول المتحدة” ،أو ما يسمى خطأ حسب إعتقادي وإنتقادي لهذا الإسم “الأمم المتحدة” ،كان موقفها دائمآ متذبذبآ ومتناقضآ ؛ ومبعث هذا التناقض هي تلك المواقف الناتجة عن حماية مصالحها ففي أوروپا تعارضت مصالح إيطاليا ،الدولة التي إستعمرت ليبيا سابقآ، لها السيطرة على جزء كبير من النفط الليبي وبالذات عن طريق شركة إيني وبالذات النفط المنتج من حقل بوالطفل والحقول الصغيرة المجاورة له في المنطقة الشرقية وحقل الفيل الحديث نسبيآالجنوبي في المنطقة الغربية وحقل الشرارة ،الواقع أيضآ في المنطقة الغربية من ليبيا، الحديث نسبيآ الذي تملك فيه شركة إيني 12% الإيطالية، وتشارك شركة “إيني” الإيطالية في ملكية حقل الشرارة النفطي مع كل من المؤسسة الوطنية للنفط الليبية وشركة ريپسول الأسپانية يضاف إلى ذلك حقل البوري البحري بنفطه وغازه وكذلك حقل الغاز “الوفاء ” ،وكلا الحقلين تشارك في ملكيتهما شركة إيني الإيطالية مع المؤسسة الوطنية للنفط الليبية الملاصق للجزائر والمغذي الرئيسي مع الغاز الآتي من حقول البحر، لخط الغاز الواصل من ميناء مليته النفطي إلى جزيرة سيشيليا الطليانية وبهذا تعد إيطاليا هي المستحوذة على الغاز المنتج في ليبيا وما يقارب 30% من النفط الليبي تنتجه شركة إيني في ليبيا ويتم توزيعه بين ليبيا وإيطاليا حسب إتفاقيات المشاركة بين المؤسسة الوطنية للنفط الليبية وشركة إيني الإيطالية.وهذا يؤكد أن إيطاليا لها نصيب الأسد في ثروات الطاقة المعدنية النفطية والغازية الطبيعي التي تنتج في ليبيا.
في ذات الوقت نجد أن فرنسا ليس لها إلا شركة “توتال” والتي لها حقل “المبروك والذي يعد صغيرآ جدآ في إنتاجه النفطي ؛أما أسپانيا فهي تملك شركة “ريپسول” والتي تشترك مع المؤسسة الوطنية للنفط و شركة “إيني” برميلالإيطالية في إمتلاك حقل الشرارة الضخم والمنتج (حوالي 300,000 للنفط يوميآ) في الجنوب .وينبثق موقف الحكومة الإيطالية المتناقض بين تأييد الإتجاه التابع للإسلام السياسي والإخواني والمرتبط مع “تركيا العثمانية”،مع تخوفها من الجانب التركي عمومآ وبين تأييد الإتجاه القومجي العروبي والعقيد المتقاعد “حفتر” والتخوف من الدعم الفرنسي له من جانب والدعم الروسي والمتمثل في وجود قوات المرتزقة الروس ” قوات الڤاغنر”والذين تستخدمهم روسيا للتوسع في أفريقيا جنوب الصحراء.
ومن المعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تود في التوسع الروسي في أفريقيا جنوب الصحراء وهذا ما يجعل الموقف الأمريكي غير واضح أحيانآ في موقفه من طرفي النزاع الليبي.
لا شك أن ما يعرف بالسياسيين الليبيين تنقصهم الخبرة والدهاء السياسي باللعب بأوراق السياسية للوصول إلى حل الأزمة التي تم تورطهم فيها زِد على ذلك تغلب أطماعهم الشخصية ونقص الإنتماء الوطني والذي دفع بالإتجاه الإنتهازي والذي وصل أحيانآ حتى إلى العمالة مع القوى الخارجية وبالذات موقف العقيد المتقاعد “حفتر” الذي زج بالبلاد في حروب عمقت روح الإنقسام بين أبناء الشعب الليبي الواحد في سبيل محاولاته للوصول إلى الحكم (بأي ثمن) هو وأسرته وإرجاع الديكتاتورية العسكرية ؛وكذلك فيما يقوم به من مواقف من يسمي نفسه برئيس الپرلمان والذي وصلت به الوقاحة إلى طلب الپرلمان المصري بإرسال القوات المسلحة المصرية للمشاركة في غزو “حفتر” للغرب الليبي، ثم إدعائه مؤخرآ بأن هذا لم يكن سوى غلطة مرتكبة و”جل من لا يخطئ” وإصراره على الإستمرار في البقاء على رئاسة الپرلمان وتقسيم البلاد وإقامته إلحكومات الموازية لزعزعةالإستقرار.
وكذلك هو نفس الحال من طرف من يسمون “المجلس الأعلى للدولة” وأقل ما يمكن تسميتهم به هو الإنتهازية التي رمتهم في أحضان “تركيا العثمانية” ليستمروا في تهلكه ليبيا.
والآن وبعد أن تحولت ليبيا إلى ورقة في يد روسيا لتقامر بها أوروپا والولايات المتحدة الأمريكية وبعد أن أدخل العقيد المتقاعد “حفتر” مرتزقتها “الڤاغنر” إلى ليبيا والتحكم في جزء كبير من البلاد بما في ذلك الحقول النفطية الجنوبية؛ كيف سيكون المشهد الليبي بعد عنتريات “عقيلة صالح” المسيطر عل الپرلمان في “طبرق” وعنتريات العقيد المهزوم “حفتر” وكذلك إنتهازية “المجلس الأعلى للدولة ” بقيادة (المشري) ” وكذلك الميليشيات واالطرف الآخر في غرب البلاد؟؟؟؟؟
هوامش :
(1) لم تنعم ليبيا سواء في أيام الحكم الملكي ولا في أيام الديكتاتورية القذافية لابالحرية الفكرية وألا الحرية السياسية وبالذات المتمثلة في وجود الأحزاب؛ بل كان وجود الأحزاب والإنتماء إليها جريمة تعد بالخيانة وعقوبة السجن.
(2) المداخلة هم فرقة سلفية سعودية وهابية تدعمها الدولة السعودية.
(3)المجلس الأعلى للدولة هو جهاز تم إنشائه ،في إجتماع الصخيرات في عام 2015 ،وهو عبارة عن إمتداد للمؤتمر الوطني وبإتجاه إسلاماوي وإخواني مسلم ومتحالف مع كل من دويلة “قطر” و”تركيا العثمانية”
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.