مصطفى المريزق
كان على عبد الكريم ان يخاف عليك و أنت تحرص الصوت العميق الجارح في الوطن، يوم كان عبور الارض العذراء لا يحتاج الى بطاقة الهوية أو جواز السفر.
كنت تسمع ساعتها أصوات العشب و تتذوق قطرات الندى الممتزج بخيوط الصبح المرافق لطفلات بني زروال يعبرن الجبل بحثا عن حب الوطن.
كنت تصعد الجبل، و عبد الكريم يراقب الطريق المنعرجة أمامك و يسألك عن مغزى الانعطاف الجديد لتوجهك و عن حلمك باقامة سلطة العمال و الفلاحين.
لم تكن من دعات الشعائر و العبادات، كنت عاشقا للجسور في أحضان المرأة البيضاء. تندفع الى الامام بحثا عن ملائكة الانس بدون أجنحة لتثبت لعبد الكريم أن بزوغ الفجر طويل المدى.
دخلت الساحة من أزقة ملونة دون استئذان، مددت يدك لصعاليك التاريخ و الجغرافية، ووقفت كالطفل المذلل تبتسم لحنان العشاق الجدد. و عندما قررت مصارحة عبد الكريم وجدته كالصخرة يراقب فصول الله على مدار السنة.
منجذبا بقوة العقل و مناصرا لشهوة النساء من بني زروال الى الأندلس و من غابات افريقيا الى ادغال بوليفيا.
قاومت لتحرر الموسيقى من الايقاعات الوهمية، من أجل بقاء الاحياء خوفا من الفاجعة. و قبل ان تصرخ من دون تدريبات أو طقوس، لوحت بيدك لعبد الكريم و زوجته بعدما اطمأنت عليهما في سرير الحب الملتهب.
كانت الجرائد تنقل أحوال فصائل الصدام، و الجماهير تصنع ملاحمها و أنت متهم بالمس بأمن الدولة. يدخلونك و رفاقك الى ثكنة المكافآت تقديرا لنجاحك في مباراة رفض الظلم و التشهير بجرائم الألغام و تستمر في اختطاف عيون الحسنوات لتثبت لعبد الكريم ان العتاد و العباد لو تجمعوا لأقامت الحمامة البيضاء جسرا مع كل الخيالات و الاوهام.
لقد ادركت منذ العنفوان ان الانتماء ليس سفرا و لا نزهة، و ان الفردوس المفقود يغري الفنانين و الشعراء لابتكار قاموس جديد لامتلاك شروط انسانية افضل.
كانت ريتا تخاطب القاعة المظلمة، و تمسك بمكبر الصوت لأول مرة، و كنت تحدق في شفتيها البرئتين و تحثها على حب الجمهور، حتى و لو جاء يبحث عن صوفي التي كنت تعشقها و تتقن لغتها.
من مربع الاسمنت، بعثت الأضواء ليقرأ عبد الكريم نسخ الاحكام/المهزلة، معلنا خارطة للحلم و قاموسا للورد و أشعارا للياسمين.
فهل استراح النبض فيك؟
لا، لم تغادر حقول الروح حتى و لو اعياك التاريخ الزائف، و لن تسكنك ايات الشياطين مهما ركب طيفك قوس قزح.
لقد عشت حرا طليقا مليئا بالأحلام، وسط اوضاع التردي و النسيان، باحثا عن عوالم أخرى اكثر دفئا… بعيدا عن فتنة الاساطير.
لا داعي اذا للاستعجال… فمهما تلوتت الموت على سريرك، و مهما سافرت في عروش التيه الابدي،سيصان عشبك… كما صنت العشب الأخضر فوق قبور أسلافك.
التعليقات مغلقة.