أريد ان أكون شرطيا
أزول بريس – ذ.الفنان عمر أيت سعيد //
بعد مسار طويل في الدراسة والتحصيل بالكلية ، أخيرا ‘‘يدير ” ينجح في مبارة ولوج التعليم ، يدير أصبح مدرسا ، سيحمل رسالة نبيلة ، سيعمل على تنوير الأجيال بالعلم والحكمة …ثم تعين يدير بمدينة تعج بالساكنة، مدينة لغتها هي الضجيج والضوضاء ، قصد يدير مدرسة الأمل التي عين بها وكله أمل وحماس للعطاء وبذل الجهود للارتقاء بالتعليم .
سلمه المدير وثائق القسم المخصص له بعد الاجتماع التربوي المخصص لتثبيت البنية التربوية . أخد يدير الوثاق وكله حماس وحيوية لتربية فلذات الأكباد وبذور المجتمع وأمله، رغم أن الحصص الأولى من الشهر الاول تخصص للتقويمات التشخيصية ،لتقويم الكفايات والمكتسبات السابقة للتلاميذ فيدير النشيط لم يكتفي بملء شبكات التقويم بل أراد الغوص في عوالم تلاميذه لمعرفة أوضاعهم وأسرهم وحلالاتهم الاجتماعية، فهو يؤمن بالمقولة التي تقول ” أن الإنسان ابن بيئته ” وأن التلاميذ ليسوا الا نتيجة تنشئة اجتماعية مسبقة قد تكون صالحة او معطوبة ، ولما حصل على معلومات مستفيضة على واقع التلاميذ وظروفهم المعيشية ..لم ينسى ذلك السؤال الفلسفي البسيط والعميق في الان ذاته ، أراد ان يعرف مدى طموح التلاميذ و كيف هي أحلامهم وأمالهم فسألهم واحدا واحدا …ما هي المهنة التي تريد ان تمتهنها في المستقبل ؟
بعد أن أمهلهم مدة وجيزة للتفكير حصل على الإجابات مباشرة وكأنها مبرمجة من قبل ، فكانت 90 بالمائة من التلاميذ يتمنون و يريدون أن ينظموا الى مهنة الشرطة . ثلاث تلميذات يردن أن يصرن طبيبات ، وتلميذ واحد أصر على أن يصبح فنانا رساما .
صحيح أن كل المهن جميلة ورائعة لكن ‘‘يدير ”وقف وقفة للتأمل في هذا الواقع وهذه الطموحات فبدأ يحلل فسألهم ” لماذا اخترتم جميعا الانضمام لصفوف الشرطة ؟ فأجابوا وكان الإجابة كذلك كانت مبرمجة مسبقا ،” نريد القبض على اللصوص الكثيرة في حينا ” وحينما رجع يدير الى ملفات التلاميذ وجد أن الوضعية الاجتماعية لمختلف التلاميذ هشة و ضعيفة جدا وجد أن حالات الطلاق بين الأباء والأمهات كثيرة وان العنف استوطن هذه الأرجاء منذ زمن . فما كان للأطفال الا أن يكونوا مرأة لواقع بئيس ، وهم بكل عفوية يحاولون التصدي للذين يحاولون قتل أحلامهم الجنينية، يحاولون التصدي للعنف ولو بالتمني.
في قسم بأكمله ، تلميذ واحد فقط هو الذي يفكر ويطمح أن يصير فنانا رساما ومبدعا ، فتساءل يدير في قرارة نفسه ، ماذا أعد هذا المجتمع ليحتضن هذا المبدع ؟ تأسف لهذا الواقع والاسئلة تتساقط على مخيلته تباعا ؟
وتأتيه أصوات تقول ، ماهي الصورة التي خلقها الإعلام بجل تلاوينه عن رجل التربية في بلادنا ؟
ما هي المؤسسات التي تزرع بذور حب الفن والإبداع والحياة في وطننا ؟
لماذا تربط متاجر لعب الأطفال والإشهارات لعب الاطفال بمهن بحد ذاتها، فالبنين مثلا يشترون البنادق البلاستيكية والدبابات والفتيات يشترين سماعات الطبيب ، أليس هذا تكريم وتفضيل لمهن على حساب مهن اخرى ؟
ترك يدير خياله يذهب بعيدا فرجع الى طفولته ، بذكرياتها الجميلة ، فتذكر حينما طرح الأستاذ على تلاميذ قسمه نفس السؤال ،فكانت الإجابات أكثر حرية وتنوعا مما أصبح عليه الوضع اليوم ، فاليوم حتى أحلام الاطفال أصبحت مقيدة بسبب البرامج الإذاعية والرسوم المتحركة العنيفة والتافهة في معظم الأحيان . فكانت إجابة صديق يدير أنه يريد ان يصبح عندما يكبر ” كناويا ” فاستفسره الاستاذ عن سبب الاختيار، فرد عليه التلميذ لأن ”الكناوي ” دائم الفرح والابتسامة، دائما يغني ويفرح . بينما أخبره صديق أخر أنه يتمنى فقط أن يكون رئيس جزب كبير ، وأختار تلميذ أخر أن يكون متسلقا جيدا للأشجار .وأخبره حكيم القسم ذلك الطفل العجيب في أفكاره أنا يا استاذ أتمنى أن أكون سعيدا في حياتي لا غير هذه هي الإجابات البسيطة والعميقة الدلالات .
فخلص يدير في قرارة نفسه دائما أن مجتمعه وسياسته التوجيهية تحتقر موادا تعليمية وعلوما وتنتصر لأخرى .و أن أسرنا لم تعد تستطيع تربية وتأطير الابناء ، فالأسرة استقلت من فعل التربية منذ مدة والشارع بدوره غير مؤطر ، لذا لابد من دق ناقوس الخطر حول موضوع التربية وترسيخ القيم في البلد وحسن توجيه الأطفال لجل المهن خاصة تلك المهن التي تبني شخصياتهم وتصنع مواطنين أقوياء بضمائرهم وعقولهم لا مواطنين اقوياء بأرصدتهم البنكية . فالوطن في حاجة الى بناء العقول لا الى بناء ارصدة دون عقول .
التعليقات مغلقة.