المطالب الأمازيغية في مدرجات الملاعب؛ من شبيبة القبائل بالجزائر إلى حسنية أكادير بالمغرب

جمهور الحسنية بملعب أدرار
الحسين بويعقوبي

 لم تحظ الجماهير المرتادة على ملاعب كرة القدم بالبلدين (المغرب والجزائر) بما يكفي من الدراسة والتحليل أمام غلبة النظرة الأمنية لكل تجمع جماهيري وأمام هيمنة تصور كلاسيكي موروث عن الماضي يحدد طبيعة المواضيع التي تستحق الدراسة. وعليه، لم يكن الملعب عموما وملعب كرة القدم على الخصوص ضمن هذه المواضيع، رغم أنه فضاء يستقطب الآلاف من الجماهير من الجنسين ومن فئات عمرية مختلفة وانتماءات اجتماعية متعددة ومستويات تعليمية مختلفة، ويواكب هذا التردد ممارسات وطقوس تختلف حسب الفئات مما يجعل من مرتادي ملاعب كرة القدم بالمغرب والجزائر موضوعا سوسيولوجيا وأنتربولوجيا وحتى نفسيا بامتياز في حاجة للدراسة كما فعل الباحث الفرنسي كريستيان برومبيرجي Christian Bromberger في العديد من دراساته، سواء في إيران أو في فرنسا[1].

ليست مدرجات الملاعب مجرد أماكن للجلوس لمتابعة مباراة في كرة القدم، بل هي مجالات للتنشئة الاجتماعية ومؤسسة ذات تنظيم معين، خاصة مند ظهور الالتراس، كما تحولها الجماهير إلى فضاء لإنتاج خطاب وتصريف مواقف والتعبيرعن مطالب تتجاوز في كثير من الأحيان السياق الرياضي، لتعانق إشكالات مرتبطة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والشغل والعدالة  والهوية، وهذا ما يتضح من قراءة وتحليل مضمون القصيدة التالية التي يتغنى بها جمهور الحسنية في سياق الخسائر التي خلفتها الفيضانات بالمغرب : (هذه حكاية واقعنا المأزوم، ما تخوفنا لا قيود لا سجون، صاحبي حلل شوف أو دير زوم، لا قانون احميك لا حق مضمون، فيضانات حفرات القبور، والمسؤولين في خبر كان، الغيوم بكات فضحات المستور، الروح فقدات القيمة والشان، نفكروهوم بشوهة المونديال، صرفو المليار وحصدوا العار…)[2]. وهذا ما يجعل من مباراة كرة القدم مجرد فرصة تسمح بالتجمهر خارج الضوابط القانونية المنظمة ذلك من أجل التعبير الجماعي وبصيحة واحدة عن مختلف الهموم التي تؤرق بال المشجعين في حياتهم اليومية، قبل و بعد كل مباراة.   

 نظريا يمكن الاستعانة في دراسة هذه الجماهير بعلم النفس الاجتماعي وبمناهج البحث السوسيولوجي وكذا بأنثربولوجيا الدينية (أنثربولوجيا المقدس) لتحليل بعض الممارسات التشجيعية، كالتعري مثلا،والاستعداد للتضحية حتى الموت، خاصة وأنها تعبرعن علاقة تقديسية بين المشجع وفريقه، وهذا ما حاول الطلبة حسن أوزات ورشيدة نتيق وسميرة واعمر تبيانه في بحثهم “الالتراس من التشجيع إلى التقديس”، كما سعى برومبيرجي للتنظير له من خلال سعيه للتأسيس ل”اثنولوجية الأحاسيس Ethnologie des passions”[3].

لم تخرج المطالب الأمازيغية عن القاعدة. لقد انتقلت من نقاشات البحث العلمي وأنشطة العمل الجمعوي وصراعات المجتمع السياسي واحتجاجات الحركات المجتمعية إلى مدرجات الملاعب، حيث الفرصة مواتية للاحتجاج الجماعي. ومرة أخرى ستكون منطقة القبائل بالجزائر هي السباقة من خلال فريقها “الشبيبة الرياضية للقبائلJeunesse sportive de Kabylie (JSK)” المؤسس رسميا سنة 1946، لكن إرهاصاته الأولى تعود لسنوات 1920، كرد فعل وطني ضد تأسيس المستعمر الفرنسي لفريق “أولمبيك تيزي ووزو” المكون من المعمرين. انه نفس سياق ميلاد الحركة الوطنية الجزائرية وغير بعيد عن فترة اندلاع “الأزمة البربرية1949/” في صفوف هذه الحركة وهو ما سيجعل الهوية الأمازيغية ترتبط بهذا الفريق، لكنها لم تظهر بشكل جلي إلا بعد استقلال الجزائر سنة 1962 خاصة حين واجهت جماهير فريق الجزائر العاصمة جماهير منطقة القبائل بشعار “أيها القبائليون، ارجعوا لبلدكمLes ! Kabyles, rentrez chez vous ! “، فكان ذلك إيذانا بوجود شرخ في المجتمع الجزائري على أساس هوياتي وهو ما جعل من فريق شبيبة القبائل بالجزائر رغما عنه “ممثلا” للهوية الأمازيغية. وبالنظر لتجدر المطالب الأمازيغية بمنطقة القبائل، فقد كانت المباريات فرصة لتجديد هذه المطالب والتنديد بموقف الدولة منها والمطالبة بالاعتراف بها. ويبقى أهم حدث بخصوص هذا الموضوع حين استغل أنصار شبيبة القبائل حضور الرئيس بومدين للمباراة النهائية لكأس الجزائر يوم 19 يونيو 1977 بالملعب الكبير للجزائر العاصمة فحولوا مدرجات الملعب المكتظ بأنصار الفريق القبائلي لميدان الغناء بالأمازيغية و المطالبة بالاعتراف بها واستعملوا من أجل ذلك لافتات مكتوبة بالأمازيغية وبحرفها “تيفيناغ”، وهو ما دفع الرئيس الجزائري آنذاك للسعي لتغيير اسم الفريق من “شبيبة القبائلJSK”, ذات الحمولة الهوياتية الأمازيغية, إلى “إليكترونيك  تيزي ووزوEST “، لكي يمثل المدينة فقط بدل تمثيل منطقة القبائل ككل، وتقوية الانتماء الهوياتي لها. وللتعبيرعن موقفها تلجأ الجماهيرالقبائلية أحيانا لإدارة ظهرها للنشيد الوطني الجزائري  أو تعويضه بأناشيد قبائلية تعود لفترة النضال ضد المستعمر الفرنسي (كر أميميس ن أومازيغ)  احتجاجا منها على موقف الدولة الجزائرية من الأمازيغية.

     بعد الاعتراف بالأمازيغية لغة رسمية في الجزائر(2016)، وبرأس السنة الأمازيغية (2018) وسعيا من الدولة الجزائرية لردع الشرخ، الذي أصبحت له تداعيات انفصالية خاصة بعد ظهور حركة فرحات مهني المطالبة باستقلال منطقة القبائل، أصبحت أغاني معتوب لونيس تذاع أمام الملأ في ملعب العاصمة الجزائرية ويبقى هدف أنصار شبيبة القبائل هو تسمية الملعب الكبير لتيزي ووزو باسم المغني والمناضل القبائلي المعروف “معتوب لونيس”، المغتال يوم 25 يونيو 1998.

أما في المغرب، فينظر إلى فريق حسنية أكادير، المؤسس هو أيضا سنة 1946 في عز المقاومة ضد المستعمر، كما ينظر لشبيبة القبائل بالجزائر كحامل للهوية الأمازيغية[4]. وهو ما يعبر عنه أحد شعارات جمهور الرجاء البيضاوي[5] “رييح، رييح، أداك شلييح” الذي ينسب جماهير الحسنة للغة الأمازيغية (تاشلحيت) الأكثر استعمالا في سوس، وهو ما تعتبره جماهير الحسنية “عبارة عنصرية”. 

في هذا الإطار،لا يمكن لمن يرتاد الملعب الكبير لأكادير إلا أن يلاحظ الحضور القوي للهوية الأمازيغية بتجلياتها المختلفة، بدءا باسم الملعب. لقد نجحت الجماهير في أن تفرض إعلاميا كلمة “أدرار” (الجبل بالأمازيغية) لتسمية هذا الملعب، انسجاما مع المجال الجغرافي الذي أنشأ فيه بمحاذاة جبال امسكينImsgginn ، وبذلك عبرت الجماهير، في انتظار تبني الاسم رسميا، عن رغبتها في تملك المكان من خلال الاسم الذي يحافظ له على هويته الأمازيغية. هذه الأخيرة التي أصبح فريق حسنية أكادير، عن وعي أو عن غير وعي، حاملا لها من خلال التمثلاث التي تخلقها عليه جماهيره، ونظرة الآخرين له، حيث يعبر البعض عن ذلك بعبارة “الحسنية أكثر من فريق رياضي، إنها هوية”، وهو ما جعل مسؤولي الفريق يسايرون تطلعات الجماهير فكتبوا بالأمازيغية على أقمصة الفريق وفي حافلته وعلى باب مقر مدرسته الكروية. وكتعبير عن التقارب “الهوياتي” بين الفريقين، استجاب المكتب المسير لحسنة أكادير لرغبة الجمهور واستضاف فريق شبيبة القبائل في أول مباراة، رفع الستار، للافتتاح الرسمي للملعب الكبير “أدرار” قبل مقابلة المنتخب الوطني المغربي ونظيره جنوب إفريقيا، وذلك يوم 11 أكتوبر 2013. وعكس باقي الملاعب المغربية، يبقى ملعب أكادير الوحيد الذي تستعمل فيه اللغتين (الأمازيغية والعربية) من طرف مقدمة المبارايات، رغم أن الأمازيغية لغة رسمية للدولة المغربية مند 2011،وهو ما يفرض استعمالها في كل مباريات البطولة الاحترافية،  بدل جعل ذلك استثناء في أكادير الشيء الذي يعزز ربط الأمازيغية بسوس بدل أن تكون ملكا لجميع المغاربة كما يقر الدستور.   

  يعبر جمهور حسنية أكاديرعن أمازيغيته بأشكال مختلفة أهمها اختيارهم لتسمية “الترا ايمازيغن” وترديدهم عدة مرات لكلمة “ايمازيغن، …” وهو الشعار الذي جاء من جماهير منطقة القبائل إلى رحم جامعة أكادير بداية التسعينات من القرن الماضي قبل أن ينتقل إلى الملعب. ومن جهة أخرى،  يجد هذا الجمهور في “العلم الأمازيغي” خير تعبير عن انتمائه الهوياتي، مما جعل هذا العلم يزين المدرجات في كل مباراة، لدرجة أن البعض لا يربط هذا العلم بالحركة الأمازيغية في العالم بل يمثل بالنسبة له “فريق حسنية أكادير”. كما تحضر لافتات مكتوبة بالأمازيغية كتلك التي تتضمن العبارة التالية ” الحسنية، تايري أور ارزان” (الحسنية : العشق الأبدي). لكن في نفس الوقت، لا بد من الإشارة إلى أن أغلب الشعارات التشجيعية تتم بالدارجة المغربية، إلا استثناء (قصيدتي : تاسمغورت ن سوس و أوال نودرار)، في انتظار إبداع شعارات أمازيغية أخرى حماسية قابلة للتداول.

هوامش:

[1] Christian Bromberger,  Le matche de football, ethnologie d’une passion partisane à Marseilles, Naples et Turin, Broché, 1995.

-« Le football en Iran, un révélateur des tensions au sein de la société », conférence, Université Luxembourg, juin, 2010 (publié sur internet).

[2] حسن أوزات ورشيدة ناتيق وسميرة واعمر، الالتراس من التشجيع إلى التقديس، حسنية أكادير أنموذجا، بحث الإجازة، تحث إشراف الحسين بويعقوبي، شعبة علم الاجتماع، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن زهر، أكادير، 2015-2016.

[3] Christian Bromberger, op.cit.

[4] ليس فريق حسنية أكادير الفريق الوحيد الذي ترتبط به الهوية الأمازيغية في المغرب، بل نذكر أيضا شباب الريف الحسيمي وشباب أطلس خنيفرة وفي قسم الهواة نذكر الدفاع الحسني الرياضي السوسي بانزكان والذي حمل لاعبوه حرف “الزاي” الأمازيغي مند التسعينات من القرن الماضي، دون أن ننسى تجربة فريق اتران تيزنيت الذي اختار اسما أمازيغيا لفريقه

[5] نشير هنا إلى أن الفريقين الكبيرين الذين يمثلان مدين الدار البيضاء، الرجاء البيضاوي والوداد البيضاوي، أسسهما الأب جيكو وهو من سوس.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد