المرأة والنظام الذكوري الأبوي

محمد شنيب
قال أحد المفكرين والفلاسفة الألمان في القرن التاسع عشر “إذا أردت أن تعرف مدى تقدم أي مجتمع،عليك أن تنظر إلى وضع المرأة في ذاك المجتمع”.كان هذا المفكر هو كارل ماركس المتوفي في لندن في مارس عام 1883.
 المرأة هي الترمومتر المجتمعي الذي يقاس به تقدم المجتمع من عدمه،أي بمعنى أنه كلما كانت المرأة في مصاف المساواة وتحمل المسؤلية في أي مجتمع مع النصف الآخر أي الرجل،كان هذا المجتمع يسير حثيثا في طريق التقدم بالمعنى الحقيقي للكلمة وليس ناكرآ أو متخليآ عن نصفه التاني.
ومن المعروف أن المرأة في معظم مجتمعات العالم ما زالت تعاني تحت الوطأة والسيطرة الأبوية الذكورية وذلك منذ أن عرفت الإنسانية التاريخ وتحولت المجتمعات الإنسانية من مجتمعات سادت فيها المرأة إلى مجتمعات  ساد فيها الرجل الذكروإبتداء النظام الذكوري الأبوي وسيطرة الذكر على المراأة والأسرة جميعها..كان للمرأة الحق في تعدد الأزواج وكان الأطفال ينسبون إلى الأم وليس إلى الأب وكانت الإناث يرثن بدلا من الذكور .وقد عرف هذا النظام الذي سيطرت فيه المرأة الأنثى على الرجل الذكر في أماكن مختلفة من العالم وبالذات في البلاد الواقعة غرب ما يسمى اليوم بمصر أي ليبيا أو ما يعرف المغرب الكبير. كانت النساء الأمازونيات “الأمزونن” ينسبن إلى ليبيا .ويرجع البعض إسم ليبيا أو ليبو إلى إسم ملكة من الأمزونن التي كانت تحكم ليبيا.
 ويذكر ديدور الإغريقي أن “الأمزونن(” هم ليبيون بمعنى شمال أفريقيون وكانت لهم ملكة تدعى “ميرينة”والتي إمتد حكمها من شمال أفريقيا  حتى أجزاء من غرب أوروپا. وقد قام الأمزونن من مد حكمهم على مناطق من آسيا الصغرى حيث قاموا ببنا مدن لهم بأسماء بطلات تهم.الأمر الذي يُبين مدى قيمة الأنثى المرأة التي كانت عندهم.*
وقد إستمر دور المرأة المهم والقيادي في المجتمع الشمال أفريقي الأمازيغي،فقد كانت المرأة دائما متبؤة الدور الرئيسي في بلاد شمال أفريقيا قبل مجيئ  عرب الجزيرة.حيث يحدثنا التاريخ عن الدور الذي قامت به الملكة “كهينا ديهية” في مقاومة الغزو العربي بعد تسلمها للقيادة من “أكسيل” في مقاومة جيوش الحسان بن النعمان والذي دحرته حتى تولى شرق سرت الليبية ثم هروبه إلى برقة في شرق ليبيا.وقد حكمت هذا الملكة منطقة شمال أفريقيا مدة 35 سنة
ومن الملاحظ أنه حتى الآن في المدن والقرى الأمازيغية  في غرب ليبيا هو إستخدام كلمة خال كإظهار للتقدير والإحترام من قبل الأطفال أو الكبار للرجل بدلا من كلمة عّم وقد يدل هذا على أن أصل الإنتماء مرجعه الأم وليس الأب
 وكذلك حتى طريقة الأعراس والتي كانت مختلطة أكثر مما هي موجودة في المدن تظهر لنا كيف كان إحترام والإعتراف بالمرأة.
 
وبتغير المجتمعات الإنسانية وبداية السيطرة الذكورية تغلب الرجل  وسيطر على الأسرة والأبناء والبنات  وتغيرت الوضعية بالنسبة للمرأة وأصبحت التابعة وليس القائدة أو الرائدة وبداء دورها محدودا في الإنجاب والعمل المنزلي أي بداية ما يعرف في العلم السورية إقتصادي تقسيم العمل.
هنا برزت سيطرة الرجل الكاملة  في العشيرة والقبيلة والدولة أي الدور السياسي والإقتصادي  والعسكري وتراجع دور المرأة إلى حد أن دورها في المجتمع أصبح ثانويا ولم يعد لها دور خارج البيت إلا دور محدود ألا وهو القيام بالدعارة والمتعة الذي كان يبحث عنها الذكر خارج بيته.وكان هذا هو الحال في معظم المدن .ولكن نجد أن الأرياف كانت نسبيآ مختلفة حيث أن المرأة  كانت تشارك في بعض الأعمال الزراعية كالحصاد وجلب الماء علاوة على إعداد الطعام والأعمال المنزلية الأخرى.
وساد هذا الوضع معظم المجتمعات الإنسانية حتى إنبثق عصر الصناعة الذي أدى إلى ظهور تغير فكري الذي بدائت تظهر فيه شروط موضوعية حداثية نادت بتحرير المرأة والمساواة بينها وبين الرجل  وأكثر من هذا حيث حددت حتى علاقة الرجل في كأب بالأطفال في الأسرة،ومن هنا بدأت السيطرة الذكورية الأبوية تأخد منحنى آخر وبالذات في الدول الصناعية الأورپية.وصارت المرأة متواجدة كعنصر أساسي في كل مجالات العمل الإجتماعي والسياسي والقضائي وبدون تحديد .ولم يكن هذا في أوروپا فقط فنجد رئيسة وزراء الهند “إنديرا غاندي” وقبلها رئيسة وزراء سيريلانكا والسياسية الپكستانية والتي تم إغتيالها “منادير پوتو”….أما في شبه جزيرة العرب نجد أن المرأة ل يحق لها قيادة المرأة إلا مؤخرآ من قبل الحكومة ولكن الذكورية متجلية في الثقافة والعادات الشعبية مازالت ترفض هذا الحق أو لنقل لا تقبله….!!!!
 حتى في منطقتنا الشما أفريقية فواقع المرأة تتفاوت فيه حدة هذه الوطأة والسيطرة الذكورية من مجتمع إلى آخر، ففي تونس تم طرح مشروع قانون من رئاسة الجمهورية لمساواة المرأة بالرجل في الإرث والحق في الزواج بمن تريد وبدون حتى وإن لم يكن مسلمآ وهذه خطوة إلى الأمام قد عودتنا بها تونس من خمسينات القرن الماضي حيث أنها أصدرت صحيفة الأحوال الشخصية والتي منعت الرجل من الزواج بأكثر من زوجة ومنعته أيضا من الطلاق الشفهي. غير أن مجتمعنا الليبي تزداد فيها حدة هذه الوطأة والسيطرة الذكورية مقارنة بالمجتمعات البحر متوسطية الأخرى وحتى المجاورة لنا وبشكل مستفز وبالذات بعد ما يسمى الثورة الإيرانية ومجيئ الخميني إلى دفة السلطة وفرضه لحجاب المرأة.حيث قام الكثير من دعاة الماضي في ليبيا لمحاربة السفور، الذي بدأت تعيشه المرأة الليبية، وبداء ينتشر السفور من جديد والخمار وغيره من أشكال حجب المرأة باللباس الخليجي والأسود اللون..
.هذا علما أنه في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وبدايات التنوير (الذي تم إحباطه من المناوئين له )ظهرت حركات نادت بتحرير المرأة نذكر منها ما قامت به هذى الشعراوي وقاسم أمين في مصر والطاهر الحداد في تونس .وما شهدته هذه المجتمعات من تحرك نحو تحرير المرأة بعد الحرب العالمية الثانية والحصول على الإستقلال ولا يمكن أن ننسى ما قامت به المناضلة جميلة بوحريد في حرب التحرير الجزائرية وما قامت به في ليبيا كل من السيدتان  الجليلتان زعيمة الباروني وخديجة الجهمي المعروفة ببنت الوطن من جهود لإظهار وإبراز دور المرأة في مجتمعنا الليبي وبالذات على الصعيد الثقافي في ليبيا في ستينات وسبعينات القرن الماضي  وما قدمتاه في مجال الأدب والثقافة والفن….
ففي حقيقة الأمر في مجتمعاتنا في منطقتنا نجد أن مجتمعنا الليبيي لا يعترف بالمرأة كذات وككيان إنساني مستقل لها الحق الكامل والمساوي للرجل في ا لمشاركة الفعلية والحقة في عملية الإنتاج وتطوير ودفع العجلةنحو التقدم بل إن المرأة مازالت تهمش ويعد دورها في عملية العمل والإنتاج دورا ثانويا لا يعترف به كدور أساسي لتنمية المجتمع وسير عجلة التقدم إلى التطور والإنماء وتعتبر مساهمتها ومشاركتها الظاهرية والغير مرغوب فيها في مجال العمل هي نتيجة الحاجة المادية الماسة للمشاركة. هذه المشاركة التي فرضتها ظروف الحاجة التي أرغمت الرجل على السماح للمرأة في المشاركة في حل حالة الرجل  المادية التي يعيشها  والتي من غيرالمرغوب  في إستمرارها وحال ما يتغير الوضع المالي للرجل وإنفكاك  أزمته المالية حتى تعود أو يفرض عليها العودة إلى عملها التقليدي في البيت والرجوع الكامل لسيطرة الأب الرجل.
والواقع الإجتماعي في معظم دول العالم اليوم مازال واقعا أبويا ذكوريا حيث نجد فيه السيطرة من قبل الأب الرجل على شؤون الحياة العامة من سياسية وثقافية وإجتماعية وأكثر من هذا كله السيطرة الإقتصادية حيث أنه لم تتح الفرصة حتى الآن أمام المرأة لمعاملتها  كند مساو للأب الرجل في المسائل الإقتصادية والسياسية والثقافية والإجتماعية ومن ثم إحترامها وإعطائها كافة حقوقها…لا شك أنه هناك حالات عاشها القرن العشرين والقرن الحالي حيث تبوأت المرأة مواقع سياسية هامة وذات مفعول في بعض الدول الأسيوية في سيريلانكا والهند (كما ذكر سابقآ) وأوربا والأمريكتين حيث وصلت المرأة إلى أعلى المناصب السياسية في هذه الدول ولكن وبالرغم من كل هذه الإنتصارات التي حققتها المرأة يظل الأب الرجل هو المهيمن بنظرته الدونية للمرأة على مجالات الحياة الإقتصاديةالإجتماعية والثقافية…
النظام الأبوي الذي ورثته البشرية والذي بداء مع نظام تقسيم العمل والذي أدى إلى سيطرة الرجل بالكامل على الأسرة  وتهميشه لدور النصف الثاني في المجتمع وقام بسن قوانين وأعراف لم تعترف بمساواة المرأة بالرجل بل وجعلت منه الرب في الأسرة وعلى جميع أفراد الأسرة طاعته طاعة عمياء وإنعكس هذا  بل زاد إتساعا من العائلة الصغيرة إلى العائلة الكبيرة أي العشيرة والقبيلة والدولة أي من دور الأب “رب الأسرة” إلى رئيس العشيرة وشيخ القبيلة ورئيس الدولة.
لا شك أن ممارسة ثقافة التنشئة  التي تتوارثها الأجيال من الإناث والذكور لها الدور الأساسي في بناء التكوين الفكري والذهني والنفسي وهو الذي يكون شخصية المرأة والرجل في المجتمعات الإنسانية..ففكرة الدونية تبداء عند معرفة أن الجنين في رحم الأم  أنثى وليس ذكر حيث أن الكثير من الأباء يتقبلون هذا الخبر بإمتعاظ بل هناك من يعتبره فضيحة لا مناص له من قبوله لها ولمشيئة الله ولا حول ولا قوة إلا بالله…!!!
,ومن هذا المنطلق فإن وعي الإنسان سواء كان أنثى أو ذكر في المجتمع الأبوي يبدأ التهيئة لقبول الواقع الرجالي والذي ينظر إلى “دونية” المرأة مقارنة بالرجل وقبول ما نعرفه بتقسيم العمل وهذا يتضح بقبول المرأة  بما يسمى “الأمية الحضارية “على أنها لا تستطيع القيام ببعض الأعمال والتي هي من إختصاص الرجل والعكس.ففي مجتمعاتنا لا يحق للمرأة أن ترث مثل الذكر وشهادتها تعد لا تساوي شهادة الرجل حيث أن شهادة الذكر تساوي شهادة إمرأتين ولا يحق للمرأة أن تطلق الرجل بل أن الرجل هو من يقوم بطلاق المرأة ولا يحق لها تولي رئاسة القضاء ولا أن تكون إماما في الصلاة ولإنها عورة عليها أن تبقى في الصف الخلفي للرجال حتى في الجوامع، وعليها أن تجد محرما لها لصحبتها في القيام بفريضة الحج….!!!!! **والعقل الذكوري الرجالي يصدق الحديث النبوي والغير مثبت والقائل أن النساء “ناقصات عقل ودين”
وعبر التاريخ تكونت نفسية المرأة في هذه الأجواء وصارت المرأة تميل إلى تصديق أسطورة “الضعف” و”النعومة” و”الجنس اللطيف” و”الحرائر”…الخ من هذه التسميات والتي تدفع النساء إلى المبالغة في التزين وإختيار العطور والمساحيق لتجعلهن أكثر إغراء للرجل.وتتعمق نظرة الجنس عند الرجل في تقييمه ونظرته للمرأة مما يجعل المرأة وبالذات في مجتمعنا المنغلق  عبارة عن وعاء يفرغ فيه الرجل شحناته المحمومة.
 ونتيجة لإحتكاك ليبيابعد الحرب العالمية الثانية وبعد نيل الإستقلال (بشكل نسبي وكما حدث في معظم الدول النامية) بعناصر التطور التي الزمت الأب الرجل إلى السماح بإرسال إبنته إلى المدرسة وحتى الجامعة وبالذات بعد ظهور النفط في ليبيا للحصول على شهادة (رخصة عمل) تمكنها من العمل الوقتي عند الضرورة القصوى والحاجة الماسة للمرأة بدخول مجال العمل،هذا بالرغم من عدم تغير النظرة الدونية المتخلفة للأب الرجل بأن المكان الصحيح للمرأة هو البيت وليس في مواقع العمل والإنتاج وأن مشاركتها ومساهمتها ليس مطلوبة أساسا…فبالرغم من خروج المرأة من البيت وتحصلها حتى على أعلى شهادات التعليم في الطب والهندسة وسائر العلوم الآخرى إلا أن النظرة الدونية لها مازالت مستمرة ومتوارثة وباقية ليس في ليبيا فقط بل في معظم دول العالم وذلك لسيطرة التقاليد والأعراف والنظرة القائمة على تقيم الجنس وما يسمى بالشرف والعار.فما زال الأباء الرجال يتوقعون إنصياع المرأة لأرائهم في الزواج وإختيار الزوج ومطالبتها بالإلتزام وبإحترام التقاليد والعادات البالية والمحافظة عليها بدلآ من تطويرها وإعطائها أبعاد حديثة تتمشى  مع واقع العصر….
والموضوع أساسا مرجعه هو النظام الأبوي السائد في معظم دول العالم وهذا النظام إستتب منذ أن ظهر نظام تقسيم العمل بين الرجل والمرأة وسيطر الأب الرجل على المرأة والأسرة
والحقيقة أن نظرة وإعتقاد الأب الرجل أساسها هو الخوف من المرأة وأن مشاركتها الفعلية في عملية الإنتاج ودفع حركة تغير المجتمع في شكل كامل ومساوي لما يقوم به هو سيكون تهديدا لموقعه كأب ورب عائلة السيد وشيخ القبيلة….
إن المؤسف له بعد ثورة السابع عشر من فبراير والآمال التي كنا نحلم بها كليبيين من إنتشار مبادئ الحرية وإحترام حقوق الإنسان (ذكرا كان أم أنثى) نجد أن تعميق الفكر الأبوي الذكوري قد بدأ يستشري بين الكثير من الليبين والذي لا شك سيكون له الرد العكسي في دفع عجلة التطور في بلادنا وإبعادها أكثر فأكثر عن اللحاق بمسار الشعوب الأخري والتي قطعت أشواطا كبيرة في طريق التطور والحداثة… علينا أن نحرر الأب الرجل في الوقت الذي نقوم به بتحرير المرأة. وهذا التحرير لن يتأتى بدون تغيير الأفكار البالية التي ورثت من القدم والتي مازلنا نصر على تثبيتها بإعطائها الحجج التي تستند على التقاليد والأعراف والتي تسجننا في سجن الماضي.وصلت هذه النظرة المتخلفة في بعض الأماكن إلى تطبيق طلب ما يسمى ب”المفتي” بفصل الإناث عن الذكور حتى في التعليم الإبتدائي….
لابد من تحديث نظمناالدراسية وعلاقاتنا المعيشية اليومية والتي ستؤتر وبالتدريج على ممارساتها الإجتماعية والثقافية والتي ستغير موقف الرجل الأب من العائلة بكل مكوناتها( الأم والأطفال أكانوا إناثا أو ذكورا)…
*راجع كتاب “النظام الأبوي وإشكالية الجنس عند العرب” للكاتب إبراهيم الحيدري والصادر عن مكتبة دار الساقي لندن
** تمادى أحد قادة ما يسمى الجيش “العربي الليبي” بقيادة حفتر بفرضه على المرأة الليبية عدم السفر في كل الأحوال بدون محرم…! هذا مع إدعائه بمحاربة التطرف الإسلامي
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد