الهوية والانتماء

محمد شنيب

الهوية والإنتماء كلمتان نرددهما كثيرا وكثيرا ما ننجر وراء الفهم الخاطئ لهاتين الكلمتين وذلك نتيجة لعوامل كثيرة من أهمها الجو السياسي المسيطر على الثقافة الاجتماعية التي نعيش فيها. فالهوية والإنتماء مرتبطتان بالوطن في إطاره ومكانه الجغرافي والتاريخي.

وعلى هذا الأساس فالهوية والإنتماء هما نتاج وامتداد جذري بجغرافية وتاريخ المكان الذي يتواجد فيه الوطن والذي ينتمي إليه سكانه . الوطن هو رقعة أرض تؤثر فيها جغرافية وتاريخ الموقع  الذي هو موجود فيه ويكتسب منهما أي (المكان والتاريخ) تراثه الثقافي والذي يحدد هوية وإنتماء المواطنين الذين ينتمون إلى هذا الوطن..

ولكن للأسف نجد أن الأحادية التي يتسم بها هذا التفكير القومجي العروبي والسائد في منطقة الشرق الأوسط والشمال الأفريقي هي التي تهيمن بتفسيراتها وتعريفاتها الخاطئة والتي لا ترجع إلى التعريف الحداثي والعصري لهاتين الكلمتين أي الهوية والإنتماء بل تظل الأحادية العروبية جامدة في تعريفها المستمر لهما.

أتذكر أنه بعد القضاء على الديكتاتور القذافي، كان السيد وزير الثقافة الليبي في حكومة السيد عبدالرحيم الكيب ، في عام 2012، يقدم برنامج وزارته في مركز الجهاد الليبي في مدينة طرابلس وذلك لفترة وزارته وورد في هذا التقديم عبارة “ثقافتنا العربية والإسلامية”. وقمت وعلقت على هذا التعبير أو المدلول والذي اعتبرته وما أزال أعتبره مدلولا وتعبيرا خاطئا علاوة على قدمه وأنه لا يمت إلى أهداف ثورة 17 فبراير. فهذا التعبير محدود بالنسبة  للهوية والثقافة الليبية والتي هيع لا تقتصر على كونها عربية إسلامية، فهي أفريقية ومتوسطية من الناحية الجغرافية. أما التاريخية فهي أقدم من كونها ذلك فقبل مجيئ العرب والإسلام كانت ثقافة أمازيغية(الأمازيغ هم أقدم من سكنوا ليبيا)ثم امتزج معهم الفينيقيين والإغريق واليونان ولاشك أن الوندال كان لهم أيضا تأثير على ليبيا ومن تم البيزنطيين. أما بعد مجيئ العرب والإسلام فكان هناك تأثير الأسبان وفرسان القديس يوحنا  والعثمانيين …وكل هذا مازال متجليا فى جوانب كثيرة من ثقافتنا وحياتنا. ولكن الأحادية العربية هي التي لا تعترف إلا بوجودها فقط.

فالثقافة كائن متحرك ديناميكي وليس بالكائن الستاتيكي الجامد. أي بمعنى أنه في تغير كامل ومستمر ومتجدد دائما بالرغم من أن له مدلول زمني وأيضاً وطني..

ففي القرن العشرين وبالذات في الفترة التي سميت مرحلة التحرر الوطني والتي شملت ليبيا والكثير من جيراننا في الشمال الإفريقي سيطر مفهوم ثقافي أحادي الإنتماء ولد في الشرق الأوسط وبالذات بلاد الشام والعراق وفلسطين ولبنان ألا وهو الفكر القومي العربي (العفلقية والحصرية)* في شكليه الذي انتشر بهما أي  البعثي والقومي العربي والذي قاده في الشرق الأوسط حزب البعث (في العراق وبلاد الشام) والفكر القومي الناصري  بقيادة جمال عبد الناصر (في مصر) .إلا أن الشكلين كان يطرحان نفس الشعارات الحرية والاشتراكية والوحدة تحت راية القومية العربية الفاشية.

والحقيقة أن فكرة القومية العربية كانت فكرة تم التمهيد لها وخلقها فيما بعد من القوى الاستعمارية الأجنبية التي كانت تناهض الوجود الاستعماري العثماني في دول الشرق الأوسط في محاولة لكسب الشباب العربي وبالذات المسيحي في تلك البلدان والذي كان يتوق إلى الحرية من العبودية العثمانية والجاثمة على شعوب المنطقة. وأعتنق الشباب هذه الهوية والإنتماء العربي اعتقادا منهم بأنهم بهذا  سيحصلون على حرية بلدانهم. ولكن ما حدث هو أن الدول الأوروبية (بريطانيا وفرنسا)( لم تعر أية إهتمام لهؤلاء الشباب ونجحت في إزاحة الحكم العثماني وإستبداله بقيام الإستعمار البريطاني والفرنسي لبلدان الشرق الأوسط…بل أن الأمر كان انكى من ذلك حيث ثم حل مشكلة الشعب اليهودي وبدون أي إعتبار خلقت مشكلة الشعب الفلسطيني.

و أعتبرت فلسطين في  الفكر القومي العربي هي مقياس الإنتماء القومي العربي ونتيجة للعامل الديني الإسلامي والذي يعتبر اليهود كفارا تحمس حتى الشمال الإفريقيون وجاء المتطوعين منه المغرب والجزائر وتونس وليبيا بتحمس مرده الغيرة الإسلامية لمحاربة إنشاء الدولة اليهودية مع الجيوش العربية والتي أرسلتها بعض الدول العربية المشرقية.ففلسطين بها القدس أول قبلة في الإسلام وأحد الحرمين ومحطة حط بها النبي محمد  في رحلة الإسراء والمعراج..وكان شعور كل المسلمين وبالذات مسلمي الشرق الأوسط والشمال الأفريقي يعتبر تكوين دولة إسرائيل هو تدنيس لفلسطين بشكل عام والقدس بشكل خاص….

وتكونت دولة إسرائيل وحدث إنقلاب عبالدالناصر في مصر في عام 1952 وبداء “بكباشي” مصر في طرحه القومي الشمولي من الخليج حتى المحيط وكانت له كاريزما إستطاع بها أن يكسب الكثير من شباب متعطش للحرية في هذه البلدان التي كانت تعيش فراغ سياسي وتخلف إقتصادي وإجتماعي و كانت ترنوا إلى حرية وديمقراطية بلدانها

.ودخل عبدالناصر حربين مع إسرائيل وحرب في اليمن . وكانت هذه الحروب الثلاثة تبدوا في ظاهرها حروب وطنية ومن أجل الحرية والتقدم وفي واقعها لم تكن إلا لخدمة القادة الفاشيين القوميين العرب..

جلبت هذه الحروب النتائج التالية:

-إتساع رقعة دولة إسرائيل حيث ضمت بقية القدس والتي كانت جزء من الأردن وكذلك مرتفعات الجولان السورية-

-أما الشعب المصري فعانى الأهوال وكلفته الغالي والرخيص.

ولكن قدرة عبدالناصر الكلامية وشخصيته الكاريزمية استطاع أن يتغلب ويغطي  بها، بأسلوب المخادعة والكذب، على أخطائه المروعة والتي مازالت تعاني منها مصر والشعب المصري..

و بعد هزيمة يونيو النكراء في عام 1967 لجيوش مصر والأردن وسوريا بداء الواقع في المنطقة يتغير وبداء الكثير من الشباب الوطني يتسائل هل الفكر القومي العربي  عاجز عن حل مشاكلنا وبداء البحث بين الشباب عن الذات وهوية الإنتماء.

عاشت شعوب المنطقة تجاربها الخاصة بعد موت عبد الناصر وإندحار التيار البعثي  والذي عاش إنقسامات حاده داخل تنظيمه القومي.وبداء نضج الشباب التدريجي والذي مازال في نموه وجاء ربيع الديمقراطيات في الشمال الإفريقي ومصر وانتقل بعدها إلى اليمن وسوريا.وكان شعارنا نحن الليبين في إنتفاضة 17 فبرايرهو الحرية والديمقراطية والتعددية داخل وطننا ليبيا.وهذا ما أثبتناه في إنتخابات جولاي 2012وفرحنا وفرحت قوى العالم المتقدم معنا وإنبهروا بنتائجها الرائعة،ولكن الإسلام السياسي كان قد خطت إلى هلاك ليبيا وسيطر بطرقه الدنيئة  على البرلمان (المؤتمر الوطني) المنتخب .

نحن الليبين بكل إنتمئاتنا الإثنية والعرقية والمكونة لمجتمعنا، علينا أن نذرك ونعمق إدراكنا بوطنيتنا الليبية والتي هي الأساس لهويتنا الليبية والتي من المفروض أن نعتز بها ونعمق الشعور بها عند أبنائنا. علينا أن لا نتبنى أي اتجاه قومجي عروبي والذي فشل في إخراج المنطقة من أزماتها وعلينا أن نبني ليبيا بلد المواطنة لكل الليبين والتي تعترف بحقوقهم الإثنية الثقافية وااللغوية والتاريخية جميعا ولا شك السياسية وكلهم متساوون أمام القانون بمفهوم حداثي عصري. علينا أن نعيد كتابة تاريخنا الحافل والقديم والذي  يرجع إلى حضارة جرما والتي تعد من أقدم حضارات البحر الأبيض المتوسط (إن لم تكن الأولى المعروفة حتى الآن)وما لحقه من تداخل وتلقيح من الحضارات الأخرى من فينيقية وإغريقية ورومانية وبيزنطية وإسلامية عربية إلى يومنا هذا…

لا شك أن الإسلام دين الليبين ولا نحتاج لإثبات ذلك فنحن عشنا مسلمين حتى أيام الطليان ومحاولة بعض البعثات المسيحية وأذكر منها بعثة “الميستر إيد “** في طرابلس الخمسينات في أيام فقر الليبين والتي لم تفلح في تحويل أي ليبي عن الإسلام ..ولنحافظ على نقاوة الدين الإسلامي علينا أن نبعده عن السياسة. فالدولة تحاسب المواطنين من وجهة نظر قانون وضعي والله يحاسب العباد يوم الدين. ..هويتنا وإنتمائنا يجب أن يكونا لليبيا وطننا…


*نسبة إلى ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث العربي وساطع الحصري مؤسس حركة القوميين العرب وكلاهما من بلاد الشام

** بعثة المستر إيد كانت بعثة مسيحية حاولت الاستفادة من فقر الليبيين في خمسينات القرن الماضي واستدراجهم لاعتناق المسيحية وذلك بتوفير الغذاء والملابس لهم. وكان مقرها في المدينة القديمة في طرابلس.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد