مدرسة اليوسفية بأكادير.. أَو ما تبقّى من الدّرس .

حين التقوا هناك وهم يتابعون معزوفات قيثارية  بما تحيل إيقاعاتها على الذاكرة والنوستالجيا …فجأة شكلوا حلقة حول صورة تذكارية تؤرخ لحياتهم وهم  أطفال بساحة مدرسة اليوسفية بأكادير. ..كانت تلك اللحظة  كافية لبلورة فكرة إقامة حقل / لقاء يعيدهم إلى القسم الابتدائي من جديد وأمام معلميهم تماما كما في سنوات 60/1970 ..كان اللقاء بالفعل يوم السبت الماضي بالمؤسسة بالرغم من قصر الوقت بين الفكرة وتحقيقها…كان اللقاء لحظة إنسانية عميقة تلمس ذلك في عيون وقسمات المحتفى بهم وهم  الجيل الأول من رجال ونساء التعليم بناة هذا الوطن مباشرة بعد الاستقلال             

كان اللقاء أيضا لحظة إنسانية عميقة بعنوان واحد  :اعتراف…وتقدير من تلامذة تجاوز أغلبهم الخمسين سنة ومن مختلف المناصب الإدارية ومواقع جد متقدمة في هرم الدولة …اجتمعوا على درس واحد هو ما تبقى بعد نسيان كل شيء …درس الوفاء والاخلاص لمن علمهم ابجديات الحرف …وهندسة الرقم …درس الاعتراف والعرفان بفضل وجميل الآخر علينا ..نعم كان اللقاء أيضا وبهذه الالتفافة التكريمية إشارة قوية على أن المدرسة المغربية سابقا  بالرغم من بساطة أدواتها  وأسلوب تعاملها الصارم حد الضرب …كانت تؤسس مجتمعا مبني على قيم الانضباط والسلوك المدني والاعتراف والإشادة بمجهود وعمل الآخرين واستحضرهنا شهادة مؤثرة لتلميذ اشتغل رأسه شيبا (  لقد كنتم صارمين معنا حد الضرب والتعنيف لكن كان ذلك من أجل مصلحتنا ..من أن أكون ما أنا عليه الآن …والفضل يعود بعد الله إليكم …لذلك التمس منكم أن تسمحوا لنا بتقبيل رؤوسكم ).                               

لحظات روحانية عميقة ووضع نفسي إيجابي بقدر ما ينتصر هذا السلوك الإنساني لقيم الوفاء والاخلاص بقدر ما يؤسس لثقافة العرفان كقيمة مركزية لبناء مجتمع ينشد الحب والصلاح وينبذ الكراهية والاقصاء بقدر ما أيضا يضع الجميع أمام مسؤولياته اتجاه ما تعرفه المدرسة المغربية حاليا من تدهور مخيف لهذه القيم حتى كدنا نسمع حالات العنف المتكررة هنا وهناك اتجاه المعلمين عوض تكريمهم …وهو نوع من الانفلات التربوي الذي يجرجنا اليوم ويدفعنا إلى التفكير بصوت مرتفع إلى تحصين المدرسة المغربية  من خلال تشجيع مثل هذه المبادرات وخلق ما يسمى حاليا بأصدقاء المدرسة  عبر اتفاقيات شراكة متنوعة ومتعددة بين إدارة المؤسسة والمديريات الإقليمية من جهة وبين جمعيات المجتمع المدني ….ويمكن لتجربة أكادير الرائدة  على المستوى الإقليمي مع جمعية قدماء يوسف بن تاشفين أن تكون مرجعا لتوسيع أفق الشراكة مع إطارات مماثلة  لخلق ما بات يصطلح عليه بالمؤسسة/المرجع كذاكرة تربوية بأفق مستقبلي… خصوصا وأن مدينة  أكادير تتوفر على هذه المدارس التي وشمت ذاكرة جيل تربوي محصن بقيم إنسانية نبيلة ….جيل تربوي انطلق من مدرسة الكدالي/الشيخ السعدي حاليا….ومن اليوسفية   إلى اعدادية ولي العهد /محمد السادس حاليا ….لينتهي به المطاف بثانوية يوسف بن تاشفين ..إن التفكير في هذا الاتجاه هو ما يجعلنا نؤمن جميعا بأن التعليم يتجاوز مسألة التدبير الإداري والتلقين إلى المسؤولية الجماعية المجتمعية .             

تحية للمنظمة. … لقد كان الدرس بليغا….وفي صمت لكنه أبلغ من أي ضجيج .                  

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد