مسارات اصلاح التعليم بالمغرب: فشل إنقاذ المدرسة المغربية من مأزقها

الحسن باكريم

الحسن باكريم//

إن اصلاح التعليم يعد من بين أهم القضايا الساخنة بمغرب اليوم، بسبب عدد من الاصلاحات الفاشلة والتي لم تحقق الاهداف المتوخاة منها، ومن أجل هذ الغرض، غرض اصلاح منظومة التربية والتكوين، عقدت لقاءات ومناظرات وسطرت برامج واستراتيجيات لكن دون جدوى، كما ظلت التقارير الدولية تزكي فشل الاصلاح في القطاع واحتلاله مراتب دون مستوى ما يبذل من جهود وتبذير للأموال.

ولتسليط الضوء على هذه الاشكالية المعقدة التي تميز بها مسار طويل من الاصلاحات في قطاع التعليم، ولكون مطلب الاصلاحات انطلق مند الثلاثينيات من القرن الماضي في مواجهة الاستعمار، ومباشرة بعد الاستقلال الى اليوم، عرف المغرب ترسانة من الاصلاحات، وصفها العديد من الباحثين، من داخل القطاع ومن خارجه، بالفشل، لعدم ارتباطها بتشخيص ميداني، واعتبار تدابير هذا الاصلاح  تقنية وليست سياسية، وعدم اهتمامها بتحفيز الموارد البشرية التي تشكل المدخل الحقيقي لأي اصلاح مجتمعي حقيقي، وليس فقط اصلاح قطاع من القطاعات بمعزل عن باقي مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

فماهي ادن أهم الاصلاحات التي تم تجريبها الى اليوم بالمغرب؟ وماهي أهم الاسباب الكامنة وراء فشل هذه الاصلاحات؟ وما العمل اليوم أمام مدرسة مغربية تعيد انتاج سلبيات المجتمع من عنف وارهاب ونشر قيم التطرف واللاتسامح.

هذه هي كرونولوجية الاصلاح في قطاع التعليم، من المبادئ الأربعة إلى التدابير ذات الأولوية. فمند بداية الاستقلال الى اليوم جرب المغرب 12 محاولة لإصلاح القطاع، كما حددتها الوثائق الرسمية، وكدا عدد من الباحثين في الميدان، ومن بينهم  المصطفى الحسناوي، باحث في علوم التربية وممارس بيداغوجي بالرباط، حيث جاء في بحث له أن اصلاح التعليم المغربي مر بهذه المراحل:

  1. اللجنة العليا للتعليم (1957م): إصلاح التعليم الموروث عن الاستعمار (الهياكل، البرامج، الأطر…)، مع المناداة باعتماد المبادئ الأربعة : (المغربة، التعريب، التوحيد، التعميم) لإرساء نظام تربوي وطني.
  2. اللجنة الملكية لإصلاح التعليم(1958م) : إصلاح التعليم بالدعوة إلى إجباريته ومجانتيه مع توحيد المناهج والبرامج.
  3. المجلس الأعلى للتعليم(1959م) : التأكيد على ضرورة مجانية التعليم وتعميمه.
  4. مناظرة المعمورة(14 أبريل 1964م) : الدعوة إلى تطوير آليات ثوابت الإصلاح : المغربة، التعريب، التوحيد، التعميم.
  5. المخطط الثلاثي(1965م – 1967م) : إلزامية التعريب في مرحلة الابتدائي.
  6. مناظرة إفران الأولى(1970م) : تطوير التعليم العالي والاهتمام بالتكوين المهني.
  7. مناظرة إفران الثانية(1980م) : تقدم مسلسل التعريب ومغربة الأطر بالرغم من المشاكل المادية التي كان يجتازها المغرب في تلك الفترة، والتي أثرت على البنيات التحتية للتعليم نتيجة اعتماد التقويم الهيكلي “سياسة التقشف”.
  8. اللجنة الوطنية للتعليم(1994م) : محاولة تجاوز آثار التقويم الهيكلي على التعليم خلال ثمانينيات القرن الماضي وذلك بالرفع من بنياته.
  9. اللجنة الملكية للتربية والتكوين(1999م) : وضع أسس إصلاح التعليم : إلزامية التعليم، إدماج التعليم في المحيط ..
  10. اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين: (الميثاق الوطني للتربية و التكوين سنة 2000) : إصلاح المنظومة التعليمية بتغيير البرامج والمناهج،  تعددية الكتب المدرسية، الاهتمام بتدريس اللغة الأمازيغية الخ
  11. المخطط الاستعجالي: (2009 – 2012م) : زرع نفس جديد في مسلسل إصلاح المنظومة التربوية : اعتماد بيداغوجيا الكفايات والإدماج، محاربة الهدر المدرسي، تشجيع جمعيات دعم مدرسة النجاح.
  12. التدابير ذات الأولوية لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والبحث العلمي والرؤية الاستراتيجية لإصلاحالتربية والتكوين للمجلس الأعلى للتربية والتكوين (2015م – 2030م).

وأنهى الباحث المذكور، هذه الكرونولوجية ،  بالتأكيد على أن  محاولات الإصلاح المتكررة للنظام التعليمي المغربي لم تحقق النتائج المنتظرة؛ وهذا الوضع أصبح يُثيرُ مخاوف كل المعنيين بميدان التعليم، لأن مشاريع الإصلاح تستنزف الجهد والموارد المالية دون أن يتحقق المُراد، وفي ظل هذه الانتكاسة، حيث تخيب الآمال يوما بعد آخر في بناء المدرسة الوطنية، أصبح من اللازم البحث عن حلول مَنْطِقية لهذا المشكل الاجتماعي.

وحول نفس الموضوع، قال الباحث والكاتب بوبكر اونغير لـ “آخر ساعة” معلقا على اخفاقات هذه الاصلاحات: ” يعتبر تاريخ نظام  التعليم المغربي منذ الاستقلال  تاريخ أزمات متعاقبة ومعقدة ، ففي كل مرحلة تظهر اصلاحات تعليمية سرعان ما يتم التراجع عنها في منتصف الطريق بدون تقييم الحصيلة وإقرار المسؤوليات. في نظري المتواضع قضية إصلاح التعليم لبلادنا لا يجب أن تنحصر فقط في تحميل المسؤولية للعنصر البشري فقط بل إصلاح التعليم مرتبط بمساءلة السياسة التعليمية المتبعة وبالاختيارات والأهداف المرسومة وأصناف المتدخلين وشروط ووسائل العملية التعليمية.

وقبل هذا وذاك، يضيف اونغير، “يجب أن نعرف بأن مجتمعنا يعرف تطورات كمية ونوعية في الوعي الجمعي تؤثر على قيم وتمثلات جميع أركان العملية التعليمية للمستقبل ولمعايير النجاح والجودة، فالتعليم عنصر أساسي من عناصر الرقي الاجتماعي وواجهة أساسية تتمظهر فيها التفاوتات الاجتماعية بين مجتمع بتعليم عصري وعقلاني يحتضنه القطاع الخاص وتعليم كلاسيكي لا عقلاني في أغلبه ينتجه القطاع العمومي” يؤكد المتحدث.

وفي الوقت الذي رفعت فيه الوزارة، مؤخرا، شعارا براقا يتمثل في: “مدرسة جديدة من أجل مواطن الغد”، قررت التوظيف المباشر بالتعاقد، بما يعني ذلك من فقدان هؤلاء المتعاقدين لتكوين أكاديمي تربوي بيداغوجي لتمكينهم من حرفة أو مهنة التربية والتعليم والتكوين. فماذا تنتظر الوزارة من عملية التعاقد في قطاع عانى الكثير أيام تخرج أفواج من المدرسين من مراكز التكوين؟

وختاما، وللأسف، وككل إصلاح حصرت “الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التربية والتكوين للمجلس الأعلى للتربية والتكوين (2015م – 2030م)، وهي الخطة الراهنة اليوم لإصلاح التعليم، حصرت مدة تنفيذ هذه الخطة كالعادة في 15 سنة، وهي بلغة الخبراء: ثلاثة أجيال،  وذلك فقط بهدف” إعطاء نَفَسٍ جديد للإصلاح التعليمي ولإنقاذ المدرسة المغربية من المأزق الذي تعيشه،” فهل ستفلح الحكومة ووزارتها في قطاع التعليم في تجسيد هذا الانقاذ على أرض الواقع؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد