الملكية و الأمازيغية : 15 سنة بعد خطاب أجدير (2001-2016)

بقلم الدكتور الحسين بويعقوبي *
 الدكتور الحسين بويعقوبي 

بقلم د.الحسين بويعقوبي//

      بحلول 17 أكتوبر 2016 مرت 15 سنة على خطاب ملكي وصف بالتاريخي لأنه لأول مرة يخصص ملك من ملوك المغرب مند الاستقلال خطابا كاملا لموضوع الأمازيغية واختير لإلقائه مكانا تاريخيا وهو “أجدير” في قلب الأطلس المتوسط  ذو الأبعاد التاريخية والسياسية العميقة كما استدعي جميع الفاعلين السياسيين للسفر لهذا المكان والاستماع للخطاب الملكي المؤسس للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. وقع هذا الحدث بعد سنتين من تولي الملك محمد السادس العرش وفي سياق وطني تميز بالنقاشات السياسية التي أحدتها “بيان من أجل الاعتراف بأمازيغية المغرب” المصاغ من طرف الأستاذ محمد شفيق انطلاقا من نقاشات دامت ما يقارب أربع سنوات مع مجموعة من المثقفين المهتمين بالقضية الأمازيغية والموجه للديوان الملكي في شهر مارس 2000على غرار ما قام به زعيم جماعة العدل و الإحسان المرحوم عبد السلام ياسين حين بعث للملك برسالة عنونها ب “إلى من يهمهم الأمر”. أما على المستوى الإقليمي فتداعيات أحداث الربيع الأسود بمنطقة القبايل بالجزائر في نفس الفترة قد ألقت بظلالها على تطور القضية الأمازيغية بالمغرب.        

يشكل وضع الطابع على الظهيرالشريف المؤسس و المنظم للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بعد سلسلة من المفاوضات بين ممثلي القصر الملكي وبعض زعامات الحركة الأمازيغية وطريقة تشكيل المجلس الإداري للمعهد بمثابة “عقد” بين الطرفين يسعى من خلاله الملك الشاب للحصول على شرعية ديموقراطية من خلال التعاطي إيجابا مع إحدى أهم القضايا الساخنة الموروثة عن فترة أبيه وفي نفس الوقت من شأن ذلك أن يؤسس لتحالف استراتيجي لتحقيق توازن سياسي لمواجهة التيار الإسلامي الذي بدأ يفرض نفسه في الساحة السياسية ويسعى للحصول على أصوات المواطنين بشكل يسمح له بالمشاركة في تسيير الشأن العام سواء في الجماعات الحلية أوالحكومة. أما من جهة بعض مكونات الحركة الأمازيغية فقد كانت الفرصة مواتية لتحقيق بعض المكاسب للأمازيغية من خلال مؤسسة تعتبر الأولى من نوعها في تاريخ الأمازيغ. خلال هذه المرحلة كان للأستاذين محمد شفيق، المدير السابق للمدرسة المولوية و عضو أكاديمية المملكة المغربية ولتلميذه بالمدرسة المولوية حسن أوريد، دورا أساسيا في التقريب بين المؤسسة الملكية و الحركة الأمازيغية وفق مبدأ “رابح رابح”. لكن الأمور ستجري بما لا تشتهيه السفن. فبدل أن يتقوى هذا التحالف سيكون المعهد الملكي والعاملين فيه هذف انتقادات شديدة من طرف بعض مكونات الحركة الأمازيغية وصلت حد التخوين فبدأ الصدع يتسع ووصل مداه بعد استقالة سبعة أعضاء من المجلس الإداري للمعهد سنة 2005 . وبدل أن يقوي هذا الموقف الحركة الأمازيغية زادها ضعفا وانشقاقا وفي المقابل زعزعت الثقة بين القصر و الحركة الأمازيغية. حدث كل هذا في الوقت الذي كان فيه اسلاميوا العدالة و التنمية يقوون تحالفهم مع الملكية بعد أن وضع بذوره دكتور القصر المرحوم عبد الكريم الخطيب مند سنة 1996 . لقد تعامل القصر بنفس الطريقة مع جزئين من الحركتين الأمازيغية و الاسلامية, لكن الأولى لم تحسن الحفاظ على المكتسب و تطويره رغم الاعتراف الرسمي بالأمازيغية في دستور 2011 في حين أن الثانية و بخطى حثيثة تمكنت بواسطة العمل السياسي من قيادة حكومة 2011 وإعادة قيادة حكومة 2016.

إن المتتبع لتطورالأحداث مند 2001 من خلال المقارنة بين الحركتين الأمازيغية و الإسلامية سيستنتج أن الأخيرة تجنبت كل أخطاء الأولى إلى أن وصلت لقيادة الحكومة. فعكس الحركة الأمازيغية التي لم تحسن استثمار حسن النية الملكية المعبر عنها سنة 2001 كانت خطوات الحركة الإسلامية مدروسة في علاقتها مع المؤسسة الملكية, كما أن اسم حزبها لا يحمل أي إشارة للدين الإسلامي وهو ما سمح لها بالعمل السياسي عكس بعض مكونات الحركة الأمازيغية التي تشبثت بكلمة “الأمازيغي” لتسمية حزبها وهو ما جعلها تصطدم بالنص القانوني وتمنع من التنظيم لعدة سنوات قبل أن تستوعب الدرس وتقرر الامتثال للقانون.

من خلال ما سبق يمكن القول بأن ملف الأمازيغية بين 2001 و 2011 كان ضمن الملفات السيادية التي يقرر فيها الملك وفي هذا الإطار تدخل كل القرارات الايجابية لصالح الأمازيغية (المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، بداية تدريس الأمازيغية، القناة الأمازيغية،…)والتي اتخذت خارج القواعد الديمقراطية المعمول بها عالميا لكن أخطاء الحركة الأمازيغية وسوء تقدير بعض قياداتها جعل الملكية نفسها تتخلى نسبيا عن هذا الملف وتتركه للتدافع السياسي وهو ما يفسر قبول الملك لمشروعي القانونين التنظيميين سواء المتعلق بالمجلس الوطني للغات و الثقافة المغربية أو المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية دون تعديل رغم احتجاجات مكونات الحركة الأمازيغية ورغم مراسلتها للملك لأنهما ببساطة مشروعان أعدا من طرف حكومة انتخبت ديمقراطيا رغم ضعف المشاركة. وبذلك يكون الملك قد وجه رسالة واضحة للحركة الأمازيغية مفادها ضرورة الدخول لمعترك العمل السياسي الحزبي وفق القوانين المعمول بها و تأطير المواطنين للوصول عبر صناديق الاقتراع لمواقع القرار بدل انتظار الالتفاتات الملكية التي أثبتت التجربة أن الحركة الأمازيغية لا تحسن استثمارها.

إن كل نقاش داخل الحركة الأمازيغية اليوم يجب أن يكون بمثابة نقد ذاتي صريح يتجاوز الأنانيات الضيقة والاستراتيجيات الفردية لإيجاد مكامن الخلل في الداخل بدل إلقاء اللوم على الآخرين.    

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد